في موازاة المواجهات شبه اليومية التي تجري في سيناء بين الجيش المصري ومسلحي جماعة «أنصار بيت المقدس» التي بايعت تنظيم «الدولة الإسلامية» أخيراً، تدور بين الجانبين حرب من نوع آخر ساحتها الأكبر شبكة الإنترنت. فبعد ساعات من ظهور شريط مصور انتجته «أنصار بيت المقدس» لتوثيق هجماتها ضد الجيش والشرطة، خصوصاً استهداف مكمن «كرم القواديس» الذي راح ضحيته 30 عسكرياً الشهر الماضي، أصدر الجيش شريطاً مصوراً حمل عنوان «رسالة الجيش من سيناء»، وتضمن تصريحات لضباط وجنود تعهدوا «اجتثاث الإرهاب من سيناء». وبدا شريط الجيش محاولة لطمأنة المصريين إلى تماسك الجيش في مواجهة الجماعات المسلحة في سيناء، واحتواء الأثر السلبي الذي سببته مشاهد قتل صادمة تضمنها شريط «أنصار بيت المقدس». وأزال موقع «يوتيوب» شريط «أنصار بيت المقدس»، كما رفضت وسائل إعلام مصرية إذاعته في مسعى إلى الحد من انتشاره. وأظهر شريط الجيش الذي بثه عبر صفحته الرسمية على موقع «يوتيوب» أول من أمس وتناقلته وسائل الإعلام المصرية، عملية توقيف عشرات الأشخاص معصوبي الأعين، بعد اقتحام جنود مدججين بالسلاح عششاً وبنايات كانوا يتمركزون في داخلها، كما أظهر أرتال الدبابات والمروحيات القتالية «أباتشي» وهي تقصف أماكنهم، ولقطات لعدد من القتلى وبنايات مهدمة وسيارات ودرجات نارية أضرمت فيها النار». وتضمن الشريط للمرة الأولى تصريحات لعسكريين باللهجة العامية، فأكد أحدهم أن «المقاتلين الذين يتمركزون على الحدود رجال لا فرق بينهم وبين المقاتلين في حرب 73. كلنا واحد، والجندي المصري معروف بأنه رجل من زمان». ووجه عسكري آخر رسالة إلى المصريين، بعدما أشار إلى أنه أصيب في عمليات وعاد إلى سيناء مجدداً، قائلاً: «اطمئنوا، نحن أولادكم، سنظل متواجدين هنا ندافع عنكم، نقف لتلقي الرصاص في صدورنا بدلاً منكم». وتعهد «التصدي لأي شخص يحاول المساس بشعب مصر، أو المساس بالأمن الداخلي لمصر، سواء كان من الداخل أو الخارج، إرهابياً أو أياً كانت جنسيته لن يتمكن من الاقتراب من مصر طول ما احنا موجودين، من يريد الاقتراب من مصر فليمر على جثثنا أولاً». وشدد جندي ثالث كان يعتلي مدرعة على أنه ليس خائفاً، قائلاً: «أحمي تراب بلدي، ولي الشرف لأننا نحمي بلدنا ونحمي أهم جزء في الدولة»، متعهداً «أن نكون على قدر المسؤولية، ونحن خير أجناد الأرض». وأبدى تطلعه إلى «الاستمرار في سيناء حتى نقضي على الإرهاب». وبدت تلك الرسالة تأكيداً لتماسك الجيش، رداً على شريط «أنصار بيت المقدس» الذي تضمن في نهايته حضاً للجنود على الانشقاق. لكن أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة سامي عبدالعزيز رفض اعتبار ما يجري صراعاً بين طرفين، ورأى أنه «نوع من الإفصاح ينتهجه الجيش المصري، لضمان مساندة الرأي العام». وأشار إلى أن «الجيش يسعى من خلال تلك الأشرطة إلى إثبات جديته في تصفية الإرهاب، إضافة إلى إعطاء المساندة المعنوية للشعب، إذ إن أشرطة الإرهابيين قد تحدث قلقاً معنوياً». وقال ل «الحياة»: «هذا إجراء جيد، لاسيما أن الإنترنت وسيلة سريعة الانتشار، من يشاهدها ينقلها إلى آخرين. هو وسيلة لنوع من المخاطبة المباشرة لشريحة، إضافة إلى إتاحة مادة إعلامية للتناقل عبر وسائل الإعلام». وبالمثل، يرى الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» نبيل عبدالفتاح أن هدف رسائل الجيش «إثبات تصميمه على مواجهة البؤر الإرهابية في سيناء أو غيرها، وتقديم الدليل المادي على ما يبث من تصريحات للناطق باسمه، وأن تلك البيانات لها صدقية، لاسيما في ظل تشكيك الجماعات الإسلامية المناوئة. وبالتالي (الشريط) هو محاولة لإثبات أن هناك إرادة سياسية وعسكرية صارمة في المواجهة، وأن المواجهة حاسمة ولا تردد فيها على الإطلاق». وأوضح ل «الحياة» أن تلك الأشرطة «تتضمن خطابَين: الأول موجه إلى الكتلة الواسعة من الشعب المصري المؤيدة للجيش لطمأنتها وترسيخ أنه لا سبيل لمحاولات الجماعات الإرهابية خلق شرخ بين الجيش والشعب، والثاني خطاب بالوعيد للجماعات المسلحة مفاده بأن لا تردد أو حوار أو مهادنة مع الإرهابيين».