منذ شهور والاهتمام كبير في الأوساط المعنية بالثقافة، عموماً، وبالكتاب خصوصاً في لبنان بالاحتفال بكون بيروت معلنة، بين ربيع عام 2009 وربيع عام 2010، عاصمة عالمية للكتاب. فبدءاً من وزارة الثقافة، الناشطة في هذا المجال أكثر من أي طرف آخر، وصولاً لبعض الهيئات الثقافية والجامعية، ناهيك بعدد كبير من المبادرات الفردية، تنظم نشاطات وأمسيات ويعلن عن برامج واحتفالات وصدور كتب في شكل لا سابق له في التاريخ المعاصر لهذا البلد. كل هذا جميل ومنطقي... وعشرات الصفحات التي تصدرها الهيئة الرسمية المكلفة بالمشروع، مملوءة بتفاصيل النشاطات تبدو فصيحة في هذا كله وواعدة. لكن المشكلة - ودائماً ثمة في مثل هذه المجالات مشكلة - تكمن في وجود ما يشبه القطيعة بين كل هذا النشاط وجمهوره الحيوي. ولا نعني بجمهوره الحيوي هذا، النخب والأوجه المحترفة في مجال الثقافة - فهذه تناصر أو تستنكف عادة تبعاً لمصالح شخصية وشللية ضيقة، ومن المؤكد أن أحداً لا يهتم لأمرها في هذا السياق - بل نعني الجمهور العريض المثقف وشبه المثقف المؤلف من أفراد من المفترض أن تتوجه كل هذه النشاطات إليهم أملاً في اجتذابهم نحو الكتاب وشركاه. والمنطقي هو أن ثمة مكانين أساسيين يمكن أن يخدما في تحريك اهتمام هذا الجمهور: المدارس والجامعات بالنسبة الى الجسم الطالبي، و... التلفزة بالنسبة الى «عموم الناس». وإذا كان في إمكاننا أن نفترض أن ثمة بالفعل مدارس وجامعات تلعب دوراً ما، ولا غبار عليه في هذا الصدد، يصح أن نتساءل عمّ تفعل التلفزة، عدا عن بثها إعلاناً - مدفوع الأجر؟ - أنجزته وزارة الثقافة أو الهيئات المنبثقة عنها، للمناسبة. فحتى الآن، وعلى رغم مرور ثلث العام المخصص للمناسبة، تبدو محطات التلفزة في لبنان خارج اللعبة تماماً، فيما عدا استضافة مسؤول أو مهتم بين الحين والآخر لتطرح عليه سؤالاً مملاً وروتينياً حول المناسبة وتتلقى منه جواباً أكثر إثارة للملل. ومع هذا كان في وسع التلفزة - ولا يزال في وسعها أيضاً - أن تلعب دوراً حيوياً، من ناحية في ترتيب ندوات ذكية حول الموضوع، أو في بث مسلسلات مأخوذة من كتب، أو في ترتيب عروض لأفلام ذات أصول أدبية، أو حتى - وكم نحن طمّاعون! - في إنتاج برامج عن أدباء كبار، ناهيك بابتكار فقرات قصيرة تبث طوال اليوم، مكان بعض الإعلانات الذاتية السخيفة التي تبثها، فقرات تتناول أمهات الكتب وتاريخها... وما الى ذلك. يقيناً أنها لو فعلت - وهذا جزء من واجبها مقابل التراخيص التي تحصل عليها، من دون شك - لكانت قدمت مساهمة كبيرة وأساسية، جاعلة من مناسبة إعلان بيروت عاصمة للكتاب، مناسبة وطنية ثقافية، لا تقل شأناً عما تهتم به المحطات من «أكبر صحن تبولة» للدخول في موسوعة غينيس... أو ما يشبه ذلك.