في تمام الواحدة إلا ربع من شتاء يناير 1996 أخذ تيموثي جاكسون معطفاً من أحد متاجر مدينة نيو اورلينز، وعلقه على ذراعه متجهاً إلى بوابة الخروج من دون أن يدفع ثمنه، وقبض عليه حينها موظفو الأمن في المتجر. بعد أشهر قليلة، حكم على جاكسون بالسجن، وأرسل إلى سجن أنغولا في ولاية لوزيانا الأميركية. كان هذا قبل 16 عاماً. حالياً، لا يزال جاكسون في السجن، وسيبقى فيه إلى أن يموت من أجل سرقة لا تتجاوز قيمتها 159 دولاراً. جاكسون البالغ من العمر 53 عاماً، واحداً من 3281 سجيناً في الولاياتالمتحدة الأميركية يقضون عقوبة السجن مدى الحياة من دون فرصة الإفراج غير المشروط، من أجل ارتكابهم جرائم تصنف على أنها جرائم غير عنيفة. أحدهم حكم عليه بالموت في السجن لسحبه وقوداً من خزان شاحنة. آخر حكم عليه بذات الحكم لسرقته أدوات من صندوق أدوات زراعية في حديقة. وثالث حكم بسجن مماثل لمحاولة صرفه شيكاً مسروقاً. أما الرابع فقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة لسرقته محفظة من غرفة في فندق ومحاولة شراء فطائر محلاة من محل ببطاقة ائتمان مسروقة. في حين حكم على خامس يدعى رونالد واشنطن يبلغ من العمر 48 عاماً، بأن يقضي عقوبة السجن مدى الحياة لسرقته قميصين رياضين طبع عليهما اسم مايكل جوردان، من أحد محال الملابس الرياضية في ولاية لوزيانيا الأميركية. «كان هذا أمراً صعباً بالنسبة لي» جزء من رسالة كتبها السجين جاكسون للاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU) كما نشر في تقرير الاتحاد نشر على الإنترنت أخيراً. يواصل جاكسون رسالته «أعرف أنني أسجن بسبب جريمتي، وأعرف أنني أستحق السجن لوقت، لكن ليس أن أسجن مدى الحياة لأجل سرقة معطف قيمته 159 دولاراً. قابلت أناساً يقضون عقوبة سجن في جرائم أسوأ مما ارتكبت». وتعلق أخته على القضية بقولها: «لا أفهم ماذا يجري. يمكن أن تقتل شخصاً وتقضي عقوبة السجن مدة 15 أو 16 عاماً. أخذ أخي معطفاً قيمته 159 دولاراً وسيبقى للأبد في السجن. أخي لم يقتل المعطف! ». ويروي التقرير الذي نشره الاتحاد بعنوان «حياة الموت، محكومون بالسجن حتى الموت خلف القضبان من أجل ماذا؟». قصص الآلاف من السجناء الذين دُمرت حياتهم وحياة عائلاتهم بالحكم عليهم بالموت خلف القضبان من أجل جرائم غير عنيفة. وعلى الرغم من أن مثل هذه العقوبات التي يتوقع أن توقع بالمجرمين الأكثر خطورة، إلا أن من أوقعت به هذه الأحكام «الوحشية» هم من ارتكبوا جرائم تافهة. بحسب مانشره اد بيلنكتون في صحيفة الغارديان البريطانية. وبحسب الاتحاد فإن هذا النوع من الأحكام بالسجن مدى الحياة مع عدم الإفراج غير المشروط لم يكن معروفاً حتى سبعينات القرن الماضي، لكن انفجرت فيما يطلق عليه اتحاد الحريات المدنية الأميركية «هوس السجن المؤبد والعقوبات غير الإنسانية القاسية في القرن العشرين». وتقول معدة التقرير جنيفر تيرنر: «عملياً تعتبر الولاياتالمتحدة الأميركية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تسجن مدى الحياة بسبب ارتكاب جرائم غير عنيفة» فيما يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان بحسب المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان «وتعتبر بريطانيا إحدى دولتين أوربيتين لاتزال تنفذ عقوبة السجن مدى الحياة دون إفراج مشروط، ورغم ذلك لم ينفذ هذا الحكم إلا على 49 حالة جميعها حالات قتل». وعلى الرغم من سوء هذه الأحكام في حق أفراد ارتكبوا جرائم غير عنيفة، إلا أن الموضوع يزداد سوءاً حين معرفة أن 65 في المئة من هذه الأحكام القاسية قد تأخذ طابعاً عنصرياً لأنها نفذت ضد أميركيين سود من أصل أفريقي، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 91 في المئة في سجون ولاية لوزيانا الأميركية. منهم جاكسون الذي يقضي عقوبة المؤبد لسرقة معطف. يكلفون دافع الضرائب الأمريكي 1,8 بليون دولار لبقائهم في السجون هذه المدد الطويلة. وأشار تقرير سابق نشرته «الحياة» إلى أن الولاياتالمتحدة تعتبر الأعلى في العالم في نسبة السجناء إلى عدد السكان، بواقع 716 سجيناً لكل 100 ألف نسمة. في مقابل 30 سجيناً فقط لكل 100 ألف نسمة في الهند مثلاً. وتشير تقديرات اتحاد الحريات المدنية إلى أن مايقرب من 80 في المئة من سجناء أميركا يقضون عقوبات سجن متصلة بجرائم المخدرات.