تنتاب كثيراً من الناس ردود فعل عفويّة عند مشاهدة حشرة في طبق طعام، فيرفعون أيديهم ويتوقفون عن الأكل. وفي متابعة لهذه الظاهرة، أجرى باحثون كنديّون اختباراً سريعاً على مجموعة من الأشخاص، فقدّموا لهم أكواباً من العصير على سطحها بعض الحشرات. وتراوحت ردود فعل المجموعة بين القبول والاشمئزاز والغثيان. ولم يرَ الباحثون غَرابة في الأمر، إذ يعتقد كثيرون أن الحشرات لها طَعمٌ سيّء. في المقابل، تعتقد مجموعة من العلماء أن ثقافة الاشمئزاز من الحشرات يمكن أن تزول مع الوقت، وأنّ تذوّق الحشرات والإقبال عليها ربما أصبح أمراً شائعاً ومرغوباً فيه. وتشير المجموعة أيضاً إلى أن أكل «السوشي» لم يكن شائعاً قبل فترة، ثم صار في طليعة الوجبات التي يتهافت عليها الناس. في مواجهة السرطان خلال العام 2008 أشارت «منظمة الأغذية والزِراعة العالمية» («فاو») إلى إمكان استخدام الحشرات مَصْدَراً للغذاء، ما يجعلها جزءاً من ضمان أمن الغذاء عالميّاً في عُقودٍ مُقبِلة. وأخيراً، صدر تقرير عن المنظمة ذاتها يشير إلى معاناة بليون شخص من نقص التغذيّة الناجم عن الافتقار إلى البروتينات الحيوانيّة. وقَدّر الحدّ الأدنى للاستهلاك اليومي من هذه البروتينات ب 35 غراماً. وأوضح التقرير نفسه أن بعض الحشرات لديها مستويات من البروتين أعلى 3 أو 4 مرات من الدجاج ولحوم بعض الحيوانات، ما يعني أن تناول الحشرات بات أمراً حيويّاً وضروريّاً للتغذية والصحة، خصوصاً أن قرابة 800 نوع من الحشرات تحتوي مُضادات للسرطان. ويرى التقرير أن القيمة الغذائية للحشرات تتأتى أيضاً من انخفاض مستويات الكولسترول فيها، واحتوائها أحماضاً بروتينية أساسيّة، ومستويات عاليّة من الأملاح المعدنيّة (حديد، زنك، كالسيوم...)، وفيتامينات متنوّعة. وتؤكّد هذه المؤشّرات أن استهلاك الحشرات ربما شكّل فرصة ثمينة في إيجاد حلولٍ لمشكلة سوء التغذية عالميّاً، إذ توضح إحصاءات الأممالمتحدة وجود 1745 نوعاً من الحشرات القابلة للاستهلاك، إضافة إلى أنها تؤكل فعليّاً في 113 بلداً يقطنها قرابة بليون شخص. ثمة من يرغب في أكل الحشرات، وفق رأي أوليفيه ناثرو، صاحب مطعم «لي كوان دور» في مونتريال- كندا. ويشير ناثرو إلى أن الحشرات التي تتمتع بقيمة غذائية عالية تشمل الجنادب والصراصير والخنافس والشرانق والنمل الأبيض ويرقات الحشرات. ويقدّم وصفات للتغلب على الطعم غير المستساغ لهذه الحشرات. محاربة الجوع ويرى أرنولد فان هويز، وهو خبير في التغذية في منظمة «فاو»، أنه سيأتي يوم يأكل فيه الناس الحشرات أكثر من اللحوم. ويشير إلى مُعطيات تشمل انتشار أمراض ك «جُنون البَقر» و»الحُمى القلاعيّة»، وارتفاع عدد سكان الكوكب إلى ما يزيد على 9 بلايين نسمة بحلول العام 2050، وتصحّر الأراضي الزراعيّة بصورة مستمرّة، ونقص الموارد المائيّة، وتزايد انبعاث الغازات الدفيئة المُسبّبة للاحتباس الحراري، وتصاعد غاز ال «ميثان» من فضلات الماشية. ويلفت هويز إلى أن لدى الغربيين اعتقاداً خاطئاً بأن الحشرات ليست جيدة، ربما لأنها تأتي من دول نامية، ما يفسر ضآلة الإقبال عليها في الدول الغربية خلافاً لوفرة الطلب عليها في دول آسيا وأفريقيا. في هذا السياق أيضاً، يوضح مارسيل ديك، وهو عالِم حشرات من هولندا، أنه آن الأوان للتفكير بالبدائل الملائمة في مسألة نقص الغذاء. ويلفت إلى أن الحشرات تمثّل نحو 80 في المئة من مملكة الحيوان، كما أن محتوى البروتين فيها يعادل نحو 75 في المئة فيما لا تزيد النسبة عينها في لحوم البقر على 43 في المئة. ويخلص ديك إلى أن تناول الحشرات ربما يكون وسيلة لمحاربة الجوع في البلدان الفقيرة، وعلى الهيئات الدوليّة المعنيّة بالتغذية أن تخصّص منحاً مالية ومساعدات تقنيّة للإكثار من تأسيس مزارع الحشرات وتربيتها.