في قوة العصر الذي نعيشه وصل الإنسان قدرة هائلة في الحصول على المعلومات وتفكيكها وإعادة تركيبها وتجاوز ما لا يمكن العمل به والانتفاع منه. أي أن الإنسان وهو في عصر المعرفة يهيئ نفسه إلى عصر «الحكمة»، وهو العصر المقبل، بإذن الله، ولذلك وبموجب ما تحصل عليه الإنسان من تدفقات الوعي فهو يشارك في تشكيل حياته وترتيب توازناته فيها. إن تجليات العقل الجديد فاضت بنظريات تحطمت أمامها جدران العازل بين «العلمية والروحانية»، ليتشكل الوعي الجديد بالإنسان والكون والحياة كمنظومة. ليجد الإنسان نفسه أما مسؤولية العقل الجديد «عقل يفكر وقلب يتأمل» في اللحظة نفسها، وهو بذلك ينهي الصراع الأزلي بين عقله وقلبه، ويدرأ التعارض بين «العقل والنقل» في أكبر القضايا المؤثرة في السلوك الإنساني والسياق الحضاري وهي مسألة القدر، إذ كانت أول مسألة يقع ويتأجج فيها الخلاف الإسلامي الإسلامي. وعلى رغم كل المحاولات التي تمت ممارستها لإنهاء الجدل وحسم الصراع إلا أنها لم تفلح لأسباب ليس هنا المكان الجيد لتفاصيلها! واليوم وفي واقع تجليات الفيزياء الكمية - الكمومية يتم إعادة طرح القضية وفق «العلمية والروحية» المنسجمة، لينتهي الصراع لمصلحة الإنسان، إذ يجد القدرة في الفاعلية والمشاركة في صنع أقداره الجميلة، حين اكتشف أنه لم يكن لديه سوى معلومات عن القدر! ومحاولة فهمها كانت في سياق الجدل المذهبي العقائدي، بعيداً عن الحقائق العلمية والوعي الروحي. إن الإنسان مشارك في صُنع أقداره، انطلاقاً من حريته في الاختيار «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» «وما أصابك من سيِّئةٍ فمن نفسك» «ظهر الفساد في البرِّ والبحر بما كسبت أيدي الناس» «أوَ لمَّا أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنَّى هذا قل هو من عند أنفسكم» وآيات كثيرة تبين قدرة الإنسان على المشاركة في تحقيق القدر «بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» وفي واقع الناس شواهد كثيرة، حتى الرؤيا تقع أو لا تقع بالتعبير أو عدمه وفي حديث أبي رزين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت» وحين خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ولقيه في الطريق بعض جنوده فأخبروه بانتشار الوباء هناك فاستشار المهاجرين والأنصار فأجمع المهاجرون على الرجوع فاستجاب لمشورتهم فقال له أبوعبيدة بن الجراح أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها، «نعم» نفر من قدر الله إلى قدر الله، ولم يكتف عمر بذلك بل ضرب لأبي عبيدة مثالاً محسوساً مقنعاً، فقال له: أرأيت لو كان لك إبل هبطت وادياً له جانبان أحدهما أرضه خصبة، والآخر أرضه جدباء، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدباء رعيتها بقدر الله! وعلى العموم، فإن وعينا بهذه القضية هو الحل لإشكالات الماضي، وهو المفتاح لآفاق المستقبل، وقيل: تفاءل بما تهوى يكن فلقلما / قيل لشيء كان إلا تحقق وهنا تتحقق حرية الإنسان الكاملة ومسؤليته عن اختياراته التي يقوم بها وانعكاساتها عليه «قل هو من عند أنفسكم»، «إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها». [email protected] Alduhaim@