احتجبت صحيفة «الرأي» الأردنية الحكومية، أمس، احتجاجاً على ما اعتبره عاملو الصحيفة «تدخلاً» من رئيس الوزراء عبدالله النسور في سياساتها التحريرية والمالية، ما يعني أن المؤسسة التي انطلقت عام 1971 توقفت عن الصدور للمرة الأولى منذ الأحكام العرفية التي شهدتها البلاد في ثمانينات القرن الماضي. وبدأ مشهد الصحافة الأردنية مختلفاً يوم أمس، حيث خلت أكشاك بيع الصحف ومحال التسوق الكبرى من الصحيفة الناطقة باسم الدولة، والتي تعتبر الأوسع انتشاراً بين مثيلاتها من الصحف الخاصة. وقال رئيس تحرير «الرأي» سمير الحياري إن لجنة الاعتصام «رفضت أي تسويات لوقف قرار احتجاب الصحيفة الثلثاء». وأضاف أن هذا اليوم (أمس) «لم نكن نتمناه أو نريده، لكن أجبرنا عليه». واعتبر أن الأزمة المالية التي تمر بها الصحافة الورقية عموماً «أثرت بصورة كبيرة على صحيفة الرأي»، وعزا ذلك إلى «عدم استجابة الحكومات المتعاقبة لمطالب التخفيف من حجم الرسوم المفروضة على الصحف، خصوصاً الضرائب، التي تفرض على الورق والحبر وماكينات الطباعة والإعلانات». من جانبه، كشف عضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين السابق، وأحد أبرز العاملين في «الرأي»، راكان السعايدة، عن اتصالات عديدة بذلتها مؤسسات رسمية على مدار الساعات الماضية، «لإقناع عمال الصحيفة بالتراجع عن اعتصامهم». وقال ل «الحياة» إن سلسلة طويلة من الاتصالات «بُذلت على مستوى رئيس مجلس الأعيان (مجلس الملك) عبدالرؤوف الروابدة، ورئيس البرلمان عاطف الطراونة، وحتى رئيس الوزراء عبدالله النسور، في سبيل التراجع عن قرار الإعتصام». وأضاف: «أبلغنا تعهد الحكومة تنفيذ الاتفاقية العمالية (تضمن حوافز مالية للعاملين) في مقابل منح رئيس مجلس الإدارة الجديد مازن الساكت فرصة ممارسة عمله الجديد، لكن العاملين رفضوا تعيين وزير الداخلية السابق، وطلبوا تنفيذ الاتفاقية وفق قرار مكتوب وواضح، إضافة إلى تشكيل مجلس إدارة جديد وعدم التدخل في السياسة التحريرية». وتابع ان «الصحافيين قرروا مواصلة الاعتصام، وإعطاء الطرف الآخر مهلة يومين يوقف خلالها قرار الاحتجاب». وعن التساؤلات بخصوص الخسائر المالية التي تكبدتها «الرأي»، لاحتجابها أمس، أجاب السعايدة: «كانت كبيرة، وراوحت بين 100-150 ألف دينار أردني في حدها الأدنى». وفي موازاة ذلك، أبدى صحافيون وسياسيون تخوفهم من تأثير الصراع المحتدم داخل مراكز القرار على الاعتصام، وقال السعايدة إن الذي حرّك الاحتجاجات في شكل مباشر «هم الزملاء أنفسهم، لكن لا أستبعد أن تكون هناك مراكز قوى التقطت الاعتصام لاحقاً، وقامت بتوظيفه واستثماره لأهداف أخرى، من دون علم غالبية المعتصمين». وكان رئيس مجلس إدارة الصحيفة المعيّن من الحكومة على خلفية الاحتجاجات، قال أمس إنه زار الصحافيين والموظفين المعتصمين، و»حمل حلولاً وموافقات على مطالبهم». لكنه اعتبر أن القضية «لا تتعلق بمطالب الموظفين، وإنما تتداخل عناصر أخرى (لم يسمها) في المشكلة». وكان قرار الحكومة تعيين الساكت على رأس هرم المؤسسة الإعلامية الأكبر في البلاد، قد أدى إلى موجة غضب في صفوف صحافيي «الرأي»، وأكد الكثير استياءهم من تعيين رجل «محسوب على التيار المحافظ»، على رأس المؤسسة الصحافية. وقال قريبون من حكومة النسور: «إن الحراك العمالي الذي تشهده «الرأي» تطور في شكل غير بريء ضد شخص رئيس الوزراء». وفضّل النسور نفسه تجنب الحديث عن أزمة «الرأي»، لكنه أكد أمام عدد من الصحافيين «عدم تدخل الحكومة في سياسيات الصحيفة». في المقابل، حذّر رئيس البرلمان الحكومة أمس من استمرار سياساتها الحالية على مختلف الصعد، وقال في تصريحات بدت لافتة إن وضع النسور «سيكون أخطر مما كان سابقاً داخل مجلس النواب». وتقول مصادر رفيعة إن مؤسسة القصر «تراقب تحركات البرلمان، وترصد عن قرب حركة الاحتجاج المتصاعدة ضد رئيس الحكومة، وقد تلجأ مضطرة إلى التضحية به». وبدأت احتجاجات «الرأي» قبل أيام، عندما دشن صحافيو المؤسسة ورئيس تحريرها سمير الحياري اعتصاماً مفتوحاً أمام مقر الصحيفة، ثم نصبوا خيمة للاعتصام رافعين شعارات منددة بالسلطة التنفيذية، قبل أن تقدم السلطات على اقتحام مكاتب الصحافيين. ويملك صندوق استثمار مؤسسة الضمان الاجتماعي الذي تسيطر عليه الحكومة، غالبية الحصص في أسهم المؤسسة الصحافية الأردنية التي تصدر عنها صحيفة «الرأي». ويقول مسؤولو الصحيفة إن الأزمة المالية العالمية عام 2008 سببت ضغوطاً شديدة. وعلقت صحيفة «العرب اليوم» الأردنية صدورها نهائياً في تموز (يوليو) 2013 بسبب مشكلات مالية أيضاً.