فور نزولها من طائرة الخطوط الفرنسية التي أعادتها إلى باريس من بيروت يوم الأربعاء الماضي، أسرعت الفرنسية الأولى فاليري تريرفيلير إلى مكان حضور التأبين الرسمي للصحافيين الفرنسيين الذين اغتيلوا في مالي تضامناً منها مع العمل الصحافي. فتريرفيلير ليست فقط رفيقة الرئيس الفرنسي، بل هي صحافية تعمل في مجلة «باري ماتش» منذ 23 سنة، كما عملت في الماضي في محطة تلفزيونية فرنسية Direct 8 وكانت تغطي السياسة الفرنسية حتى وصولها مع جانب هولاند إلى قصر الرئاسة الفرنسي الإليزيه وتحولت إلى صحافية معلقة على الكتب بسبب مركزها الجديد بعد أن اتفقت مع مجلة «باري ماتش» على ألا تحضر اجتماعات التحرير كما أنه لا تذهب إلى مركز المجلة لعدم إحراج التحرير إذا كانوا يعدون مواضيع سياسية عن هولاند أو خصومه. وتريرفيلير تشعر بتضامن كبير مع القضايا الإنسانية ما جعلها ترغب في زيارة اللاجئين السوريين في لبنان بدعوة من نورا جنبلاط وزيارة معرض الفنون السوري لمصلحة الأطفال السوريين. ونقلت تريرفيلير انطباعاتها إلى «الحياة» عن زيارتها لبنان وعما ستقوله للرئيس الفرنسي بعد الزيارة. قالت: «لدى زيارتي لبنان، كان من المهم جداً الاستماع إلى اللبنانيين. فمن بعيد لا ندرك الكلفة الباهظة التي يدفعها لبنان في الوقت الراهن نتيجة استقبال اللاجئين، وأيضاً إدراك معاناة اللاجئين السوريين. فالذهاب إلى مخيم الدلهمية في البقاع والاستماع إلى أم وأولادها فقدوا ربّ العائلة والتحدث معهم يعطيني صورة عن مدى المعاناة والصعاب. فلم أتصور الكثير من الأمور قبل ذلك. فلم أتصور مثلاً أن في هذه المخيمات غير الرسمية تدفع العائلات رسوم إيجار للسكن في هذه الخيم الموقتة في مخيم لا تتوافر فيه أية مقومات صحية! لم يتبادر إلى ذهني وجود هذا العدد من الأولاد بلا مدارس. إذاً، أنا عدت مع مشاعر تأثر بالغ ومقدار كبير من المعلومات. وسأخبر الرئيس بكل هذا علماً أنه يعرف الكثير، كما أنه يعرف أن لبنان يتحمل كل هذا. شهدت سخاء اللبنانيين الذين فتحوا حدودهم وأبوابهم للاجئين السوريين على رغم وجود تاريخ وثيق بين سورية ولبنان وهو ما يمكن فهمه، وأقول إنهم كانوا أسخياء جداً. ولكن، نفهم أيضاً أن هذا السخاء أنهكهم. لقد استمعت إليهم، وكنت مسرورة جداً لقيامي بهذه الزيارة مع نورا جنبلاط الملتزمة جداً والتي قامت بعملية رائعة جداً، وهي بيع أعمال فنية يعود ريعها إلى الأطفال السوريين». بروتوكول لدى زيارة تريرفيلير لبنان كان البعض مرتبكاً لا يعرف كيف يناديها، هل بصديقة الرئيس الفرنسي، أم السيدة الفرنسية الأولى وهو مركز غير موجود في البروتوكول الفرنسي؟ وكونها ليست متزوجة بفرنسوا هولاند سألتها «الحياة» عن سبب عدم زواجها به، وهل تأسف لذلك، فأجابت: «ربما لدي أسف لأننا لم نتزوج من قبل لأننا فكرنا بذلك في فترة معينة قبل الحملة الانتخابية، ثم انطلقت حملة الرئاسة ولم نهتم بذلك». تريرفيلير صحافية من عائلة بسيطة. كان والدها جان – نويل ماسونو من عائلة بورجوازية ولكن، مع إمكانات مالية محدودة بعد إفلاس المصرف الذي عمل فيه جدها. وفاليري نشأت في مسكن شعبي وأهلها لم يكن لديهم عمل. والدها توفي وكان معوّقاً، ووالدتها لم تعمل في البداية ولكن، مع الصعوبات المالية وجدت عملاً كأمينة صندوق في متجر. تزوجت بدوني تريرفيلير الذي كان يترجم الفلسفة الألمانية إلى الفرنسية وأنجبت منه ثلاثة أبناء أصغرهم في السادسة عشرة والآخران يعملان في الخارج. وحافظت على لقب زوجها السابق من أجل أبنائها. وفاليري تعرفت إلى السياسي فرنسوا هولاند في 1988 عندما كان عضواً في الحزب الاشتراكي وكانت مسؤولة عن تغطية نشاطات الحزب. وتحولت علاقة تريرفيلير وفرنسوا هولاند إلى علاقة شخصية في 2005 عندما كان الأمين العام للحزب الاشتراكي ويعيش مع النائب الاشتراكية سيغولين رويال التي ترشحت في 2007 ضد الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي للرئاسة. ولهولاند أربعة أولاد من رويال التي لم يتزوجها لأنه معروف عنه عدم الرغبة في الزواج. وحاولت رويال أن تطلب من إدارة تحرير مجلة «باري ماتش» طرد تريرفيلير عندما كانت تغطي السياسة الداخلية الفرنسية، ولكن المجلة لم توافق على ذلك واكتفت بنقل تريرفيلير إلى تغطية اليمين الفرنسي. وفي 2007 بعدما خسرت رويال الحملة الانتخابية للرئاسة أصدرت بياناً عن حياتها الشخصية كشفت فيه أن فرنسوا هولاند غادر البيت العائلي. الثنائي انتقل هولاند إلى العيش مع تريرفيلير في 2007. وعندما تولى الرئاسة سرت إشاعات أن رويال منعت أولادها من حضور حفلة تنصيب والدهم. ولكن واقع الحال أن هولاند تناول العشاء مع أولاده الاربعة عشية التنصيب ولم يكن يريد أن تكون حفلة التنصيب الرئاسية على طريقة ما حصل عندما تولى سلفه ساركوزي الرئاسة بحضور سيسيليا زوجته السابقة. فكان قرار هولاند ألا يحضر أحد من أولاده أو أولاد فاليري، مع أن صلة وثيقة تربطه بابن فاليري الأصغر الذي كثيراً ما يراه. ويشار إلى أن فاليري حريصة على حماية أبنائها، فلا أحد يعرف حتى أسماءهم. فور تولي هولاند الرئاسة، أعلن أنه يريدها حياة رئاسية عادية على كل الأصعدة بما فيها البقاء في شقته الباريسية وعدم استخدام الطائرة الرئاسية والانتقال قدر الإمكان بالقطار. ولكنه سرعان ما اكتشف وصديقته أن حياتهما انقلبت كلياً، وأن الرئاسة لها قوانينها وقيودها. وقد اضطرا للخضوع لها. وبعدما سكنا في البداية في شقتهما في الدائرة الخامسة عشرة من باريس انتقلا إلى الشقة الخاصة في قصر الإليزيه منذ حرب مالي حين كان الرئيس مضطراً لأن يواكب الأمور عن كثب. أثارت علاقة رويال بتريرفيلير الكثير من التعليقات الصحافية، سواء من الناحية السياسية أو الشخصية. إلا أن فاليري ترفض الخوض في هذا الموضوع قائلة إنها طوت الصفحة. وقد انتقد البعض استمرارها في عملها الصحافي، فبرناديت زوجة الرئيس السابق جاك شيراك نصحت فاليري علناً بأن توقف عملها الصحافي، ولكن تريرفيلير تحتاج إلى الاستمرار في عملها لتتمكن من الإنفاق على حياتها وحياة أولادها، لأنها تعتبر أن على المرأة أن تتمتع باستقلالية مالية. وفاليري تريرفيلير الصحافية تقول إن من بين زوجات الرؤساء الذين التقتهم أعجبتها ميشيل أوباما، «فهي سياسية حقيقية، ولكن لا أعرف مدى تاثيرها في زوجها. والملكة رانيا في الأردن أثارت إعجابي لأن لديها رؤية للأمور المهمة وتحليلها مثير للاهتمام». ماذا عن الأناقة؟ تعيش تريرفيلير مع رئيس فرنسي هو الأقل شعبية في استطلاعات الرأي تاريخياً. الإعلام الفرنسي يواصل انتقاده والفكاهيون يسخرون، خصوصاً من ربطة عنقه غير السوية، ومن عدم اهتمامه بهندامه. في حين أن تريرفيلير بالغة الأناقة ويبدو أنها لا تملك تأثيراً فيه في هذا الموضوع الذي لا يهمه. وكانت خلال العشاء الذي أقامه السفير الفرنسي في بيروت على شرفها ترتدي فستاناً من تصميم إيلي صعب. ورداً على سؤال «الحياة» عن اختيارها ملابسها في الزيارات الرسمية، قالت إنها تأخذ بنصائح مصمم صديق لها منذ أن كانت تعمل في محطة التلفزيون direct 8. «هو على اتصال مع الماركات التي تعيرني الفساتين للزيارات الرسمية، وأنا طبعاً أشجع مصممي الأزياء الفرنسيين في زياراتي الرسمية للخارج. وأنا أحب كثيراً من فترة إلى أخرى أن أرتدي فساتين من تصميم إيلي صعب، لأنني أحب ما يقدمه من تصاميم، وارتديت أحياناً ملابس إيطالية». تقوم فاليري بعملها اليومي في مكتبها في القصر حيث لديها مدير مكتب وهو صحافي سابق (باتريس بيانكون) ومعاونتان كانتا موجودتين من قبل. وتكتب تعليقاتها من مكتبها في الإليزيه. وتحضر الاجتماعات للتحضير للزيارات الرسمية، علماً أنه ليس هناك قانون يحدد مهمات الفرنسية الأولى على الطريقة الأميركية. وعن نشاطاتها تقول إنها تعمل مع Secours populaire وهي جمعية تقدرها جداً وقد أخذت أخيراً أطفالاً فقراء إلى كابور على شاطئ البحر، «فرحت عندما رأيت عيونهم تلتمع من السعادة عندما اقتربوا من البحر... أمضيت نهاراً استثنائياً من الفرح برفقتهم». تريرفيلير الصحافية تمتنع عن التدخل أو التعليق على وضع الرئيس السياسي داخلياً، فتحتفظ برأيها ولا تخوض في سبب تدهور شعبية هولاند الذي يحظى باحترام كبير على الصعيد الدولي لمواقفه الثابتة من ملفات الشرق الأوسط. ولكن داخلياً، الانتقادات لاذعة لأدائه وأداء فريقه الحكومي السياسي والاقتصادي. يذكر أنه بعد لبنان سترافق تريرفيلير فرنسوا هولاند في زيارته الأراضي الفلسطينية وإسرائيل في 17 الشهر الجاري، وهي تمتنع عن الإدلاء بأي تعليق عن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي . أما زيارتها لبنان فكانت فرصة لكل من التقاها ليكتشف أنها شخصية ودية ومنفتحة ومهتمة بالقضايا الإنسانية، عكس الصورة السائدة عنها في الإعلام الفرنسي.