تكتب ريم البيّات القصيدة الأولى التي تستهل مجموعة الشاعر السعودي أحمد الملا «كتبتنا البنات» (النادي الثقافي العربي، النادي الأدبي في الرياض-2013). وتتلخص قصيدة (أو قصائد) ريم المشهدية في الغلاف، فهي قرأت زوجها أحمد قبل أن تقرأ القصائد، وعرفت كيف تكتبه البنات قبل أن ينهي جمع قصائد مجموعته وينشرها. فهي ملهمته الشعرية التي تعرف كيف سينقل هذه الشاعرية بين دفتي كتاب ورقي، لذا ليس مستغرباً أن تكون صورة الغلاف، والغلاف صُمم ليكون بمثابة قصيدة أولى في المجموعة الشعرية ومستهلها، (وكان هذا التماثل بين الديوان وغلافه قد حدث مع ريم الجندي ويوسف بزي في مجموعته «بلا مغفرة»). ومن غير الواضح إذا ما كانت المصممة اختارت القصيدة التي على الغلاف الخلفي، «لكنه مطر خائف/ ويلوذ بالوردة/ سمك ينتفض في الكفوف/ ولما تنادينا/ اختفت أصواتنا في الضباب/ ولم يرتفع فجر لنا/ تهنا/ وغنيّنا قليلا/ ثم غابت شمسنا عنا/ وما عدنا هنا ...». ولو كان الشاعر اختار القصيدة ليزيّن بها الغلاف الخلفي، فهذا لأنه فهم صورة ريم وعايشها. الغلاف والقصيدة الخلفية يبدوان كمستهلٍّ وخاتمة، كأنهما يريدان أن يجعلاها مجموعة دائرية لا تبدأ من هذا الغلاف ولا تنتهي بذاك. وكان من المفترض أن تكون هذه المجموعة عملاً مشتركاً بين الفنانين الزوجين عبر وضع صور ريم بين القصائد. لكنهما رجعا عن الفكرة بسبب الكلفة المادية- بحسب ما صرّح أحمد الملا في إحدى مقابلاته الصحافية- هكذا اكتفيا بالغلاف الذي يقول كل ما كانت الصور الأخرى ستقوله. فالفتاة أو المرأة التي في الصورة هي ريم نفسها، تخفي عينها اليسرى لتبرز عينها اليمنى بكسل، تاركة نصف وجه هرّة بجسد إمرأة تقف كأنها طائرة في الهواء في زاوية اللوحة، تنظر إلى المكان نفسه الذي تنظر هي فيه، رافعة أصابعها الخمسة كأنها تطلب التوقف، أو ربما ترفعها بارتخاء لتنشف ما دهنت به أصابعها. لكنّ رفع اليد بهذه الطريقة لا يوحي بأنّها «تحية» أبداً. تقف امرأة الصورة مهذّبة ومصرّة ومتراخية، كأنها تُسرّ بكل شيء في وقفتها ونظرتها والرسوم التي على وجهها، والصورة الضبابية التي تختفي خلفها. وهذا كلّه يرسم وجهة اللوحات المتبقية، لكنها اكتفت بهذا المقدار من القول في هذا العمل المشترك. عند قراءة مجموعة أحمد الملا الأخيرة، يجب أن نجعلها بعيداً من المقارنة بما قبل وبما جاء بعدها. فلنأخذها كمجموعة واحدة منفردة عن الأخريات، وهي تفترض ذلك، إذ كان أحمد الملا قد أجّل صدورها منذ أن أنهى كتابتها في العام 2007، ثم أصدر مجموعة «تمارين الوحش» في العام 2010، ومن ثمّ استرجعها بعدما وضعها جانباً لسنوات، وقرر نشرها. هو لم يستسلم لفكرة ان نصوصاً كثيرة يمكنها أن تبقى في «الجرّار»، وربما يعود حرصه على كتاباته إلى أنه يفرغ جهازه العصبي في كل قصيدة يكتبها. وهي قصائد لا تستحق الإغفال. «دخل النفير من النوافذ، نفخ من ألم خزّنته الأمهات، وخبأن صراره في الشقوق وعاليات الرفوف. أي ريح أرعبت الستائر ومزّقت ترقبّها الطويل. حركت صورة الجدار، قشرت الكلام، ارتعش الناي وهو يهمّ بالعطش، وبكى نحاس الباب. ليست مناديل مأدبة ما يرفُّ على السطح، تلك وديعة الغياب في خفقة علّقها الوداع»... من هذا النصّ الشعري يُمكن أن نعرف من أين أتت نظرة امرأة الغلاف المتحدية والمتكاسلة... ربما من قرقعة الحروف التي تصدر عن ارتطام الكلمات بعضها ببعض، أو ربما من القسوة التي في أعصابها وهي أعصاب كاتبها، ومن سيلان عاطفتها أيضاً.