أربعة عقود قضاها عميد المعلقين السعوديين محمد رمضان في الرياضة عاش من خلالها اللبنات الأولى وأعوام التأسيس الفعلية لرياضة الوطن، وعاصر أجيالاً رياضية متوالية رسمت أجمل مسار للكرة السعودية عبر تاريخها المديد، إذ تنقل في حياته الرياضية بين العمل في نادي الهلال والصحافة والرئاسة العامة لرعاية الشباب، إضافة إلى مهنة التعليق الرياضي التي اشتهر بها في الأوساط السعودية وكوّن من خلالها مدرسة مستقلة في التعليق الرياضي. رمضان صاحب ال80 عاماً ترك الساحة الرياضية ولكن صوته الشجي لم يغادر أذهان كثير من الرياضيين، تعرض في الفترة الأخيرة لنوبة قلبية كادت أن تفقده حياته، وأجرى جراحة جعلته يلازم السرير الأبيض مدة قاربت الشهرين، قبل أن يعود في الأيام الماضية إلى منزله ويبقى وحيداً فريداً بين جدران غرفته يشكو تجاهل الوسط الرياضي في شكل كبير. «الحياة» زارت المعلق المخضرم في منزله بعد تحسن حاله الصحية، ووجدته متماسكاً على رغم شدة البلاء الذي تعرض له، وأجرت معه حواراً مطولاً تطرق فيه إلى كثير من النقاط والمحطات التي مر بها في مشواره الرياضي، فإلى نص الحوار: بداية... هل تحدثنا عن الأزمة الصحية الأخيرة التي تعرضت لها؟ - في ليلة من الليالي الأخيرة من شعبان الماضي شعرت بألم شديد في قلبي أشبه بطعنة سكين جعلتني أفقد إحساسي وسط صيحات زوجتي وبناتي، ولم يكن ولدي الوحيد محمود موجوداً في المنزل، فقام حارس المسجد بنقلي مسرعاً إلى المستشفى، وهناك تبين تعرضي لجلطة في القلب وحاجتي لجراحة عاجلة « قلب مفتوح وقثطرة»، وتردد أولادي في التوقيع على العملية من الخوف قبل أن تتصدى «أم مريم» للمهمة وتكون أشجع من الجميع لتدارك الوقت وكل هذه التفاصيل لم أعلم بها إلا بعد خروجي من المستشفى، وإجراء الجراحة التي استمرت تسع ساعات متواصلة. ولكنك مكثت فترة طويلة بعد الجراحة في المستشفى! - جلست طوال شهر رمضان ملازماً السرير الأبيض لا أتحرك لخطورة حالتي الصحية وفقدت 30 كيلوغراماً من وزني، وفي شوال طلبت الخروج من المستشفى على مسؤوليتي مدة يومين فقط، وأثناء الخروج شعرت بدوخة كبيرة وسقطت مغشياً علي ثم دخلت في غيبوبة تامة، وتعرضت لكسر في غضاريف الأنف وكدمات دامية في الوجه ونزيف من الفم، وعدت إلى سريري من جديد. وماذا بعد ؟ - خضعت لجراحة جديدة لإزالة الغضاريف المتكسرة من الأنف، وطلب الطبيب منحي يومياً كيسي دم في الصباح والمساء لتعويض الدم النازف، وما أن عرفت الجماهير حاجتي للدم من طريق مواقع التواصل الاجتماعي حتى هبت بأعداد مكثفة إلى بنك الدم في المستشفى للتبرع بالدم وذلك من مكةالمكرمةوجدة وحتى المدينةالمنورة، لدرجة أن مدير المختبر قال: «يكفيك هذا الدم مدة عام كامل»، وفي هذه اللحظة تحديداً عرفت محبة الناس وشكرت الله على هذه النعمة العظيمة. والآن كيف وضعك الصحي؟ - الحمد لله تحسنت كثيراً، وخرجت إلى منزلي، على رغم أن حركتي صعبة للغاية، ولا أمشي إلا متكئاً على العصا، ولا أتنقل بين الغرف إلا على العربة ويتناوب على دفعي زوجتي وبناتي الأربع، وأسأل الله حسن الختام. هل تواصل معك المجتمع الرياضي بعد الوعكة الأخيرة؟ - اتصل بي زميلي من أيام الدراسة الدكتور صالح بن ناصر، وجاري في حارة الباب الدكتور عبدالعزيز خوجة، وتواصل معي منصور الخضيري وخالد الحسين وتركي السديري، وزارني وكيل إمارة منطقة مكةالمكرمة عبدالعزيز الخضيري في منزلي وبلغني سلام الأمير خالد الفيصل، وكلمني عثمان العمير من لندن مرتين، وعادل عصام الدين وجمال تونسي ووجدي الطويل ورئيس الوحدة الحالي حازم اللحياني فقط. والاتحاد السعودي لكرة القدم.. ألم يبادر بزيارتك أو السؤال عنك؟ - أبداً لم يحدث ذلك، وقد يكون رئيس الاتحاد أحمد عيد لم يعلم بما جرى لي، وفي هذه الحال أجد لهم العذر، والحال ينطبق على زملاء التعليق الذين لم يسألوا عني أيضاً. كيف تجد تفاعل الوسط الرياضي مع أزمتك الأخيرة في شكل عام ؟ - أعتقد أن الجمهور هو من وقف معي، أما المسؤولون فكثير منهم تجاهلوني ونسيوني وهذه من مآسي الحياة. خرجت من الوسط الرياضي... ولم نسمع يوماً عن تكريمك أسوة بالدكتور صالح بن ناصر؟ - الدكتور صالح بن ناصر عمل وكيلاً للرئيس العام لرعاية الشباب، أما أنا فموظف «طرطور» في نظر البعض لم أتجاوز منصب مدير مكتب فرعي لرعاية الشباب، وهذا التجاهل حقيقة أثر في نفسيتي، ولكن لغة التكريم التي لم تأتني من الوسط الرياضي جاءتني من النادي الأدبي في مكةالمكرمة إذ كلمني الدكتور سهيل قاضي وأكد أنني من ضمن المكرمين في حفلة السابع من محرم. موقف مؤلم شعرت فيه بحجم التجاهل بعد رحيلك من الوسط الرياضي؟ - أكثر شيء آلمني هو تجاهل أمين عام الاتحاد العربي سعيد جمعان الغامدي لاسمي من ضمن القدامى المكرمين لأسباب ما زلت أجهلها، فأنا كنت أرأس الغامدي عندما كنت مدير الشؤون الرياضية وهو أحد الطلاب، ولكنه لم يقدر ذلك وتجاهلني في شكل غريب على رغم أحقيتي بالتكريم أسوة بزملائي، ما حز في نفسي كثيراً . أعواماً طويلة قضيتها في مجال التعليق، هل تحدثنا عن البدايات؟ - البداية كانت أنني عاشق للتعليق وللمصري الراحل محمد لطيف، وكنت أعلق في الإذاعة الوحيدة في مكةالمكرمة في جبل هندي، وكان المسؤول عنها عبدالله بالخير سكرتير الملك سعود بن عبد العزيز، وكان طاهر زمخشري مدير الأستوديو، وكانت الإذاعة تبث ساعتين فقط في اليوم، وأول مباراة علقت عليها كانت بين الوحدة والاتحاد عام 1374 إذ صعدت في الملعب الترابي على خشبة مرتفعة، وعرضوا لي ثلاث دقائق فقط مسجلة في الإذاعة آنذاك، ثم واصلنا المشوار حباً في التعليق في الأعوام التي تلتها على رغم ضعف المقابل المادي الذي كان لا يتجاوز 50 ريالاً فقط للمباراة الواحدة. ومتى كانت أول مباراة علقت عليها على الهواء مباشرة؟ - كانت في إذاعة طامي في الرياض بين الهلال والوحدة في نهائي الكأس، وتم بث حوالى ثماني دقائق مباشرة من المباراة التي فاز فيها الهلال، وكانت الإذاعة فأل خير على الهلاليين لدرجة أن أحد الشعراء فاضت قريحته بعد نيل الكأس وأنشد قصيدة شهيرة يقول بيتها الأول: فاز الهلال وتطور من بد كل النوادي وأصبح غريماً مدور للوحدة والاتحادي وآخر مباراة تركت بعدها التعليق؟ - لا أذكرها بالتحديد، ولكنها كانت قبل حوالى 10 أعوام، إذ تركت مجال التعليق بعد وفاة توأمي زاهد قدسي. في ذاكرتك بالتأكيد الكثير من المواقف التي لا تنسى أيام التعليق؟ - لن أنسى مباراتنا أمام الصين في كوالالمبور، إذ كنا مهزومين (2 – صفر) حتى آخر 16 دقيقة، ثم انقلبت المباراة رأساً على عقب وفزنا (4 – 2)، وأذكر أنني ختمت المباراة على الهواء وفقدت الوعي وسقطت في غرفة التعليق، وتعرضت لجلطة وغيبوبة لم أفق منها إلا بعد ثلاثة أيام في المستشفى التخصصي في الرياض وحولي أهلي، إذ تم نقلي عاجلاً من طريق رئيس البعثة الأمير فهد بن سلطان، والحمد لله الذي نجاني منها، وكما يقول المثل «عمر الشقي بقي». اشتهرت خلال مسيرتك في التعليق ببعض المفردات والعبارات المكية التي لا تنسى؟ - هذه المفردات خرجت من القلب باللهجة المكيّة ولاقت صدى كبيراً عند المشاهدين، وقبل عامين في نهائي كأس ولي العهد بين الوحدة والهلال في مكةالمكرمة فوجئت بأمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل يقول لي: «هل سنسمع الليلة يا حلولو»؟ إذ ظن أني سأعلق على المباراة، فقلت له: «غزا الشيب مفرقي وطحن المرض عظامي ولا أحد يأخذ زمانه وزمان غيره»، وهنالك بعض المفردات التي ترددها بعض الجماهير عندما ألتقيها مثل «عسالي ويا حكم وكاشو ويا هو». هناك من المعلقين من يفضل التعليق باللهجة العربية الفصحى ويرفض مثل هذه العبارات المناطقية؟ - هذه الكلمات تخرج من المعلق من دون ترتيب، ومن قبل انتقدني المعلق علي داود في مناسبة وطالبني باللهجة العربية الفصحى، لكنه عندما علّق على مباراة السعودية والصين قلدني وخرجت منه الحاروية المكيّة من القلب، وقال بعض الأمثال المعروفة عند أهل مكة بالنغمة الحجازية: «ما بعنا بالكوم إلا اليوم»، وقال أيضاً: «أربعة بالقرش يا مقلي»، وعندما واجهته بالتسجيل أكد أنه قالها من دون أن يتمالك نفسه من الفرح. كيف ترى ساحة التعليق الرياضي السعودي في الوقت الحالي؟ - في الزمن الحالي كثر المعلقون وقلت بركتهم، وأرى أن الثنائي الموجود في الخليج عيسى الحربين وعبدالله الحربي هما أفضل السعوديين خارجياً. ومحلياً؟ - التعليق الرياضي موهبة قبل كل شي، وأرى أن المعلق الشاب عبدالله الغامدي هو الأفضل وله مستقبل جيد، أما أكثر المباريات فأشاهدها من دون تعليق بعد أن أخفض مستوى الصوت إلى الصفر. وفي الخليج من المعلق الذي تتنبأ له بمستقبل باهر؟ - لن تعوض الساحة الخليجية المعلق الكويتي خالد الحربان. ميولك الرياضية هلالية أم وحداوية؟ - هلالية عندما كنت في الرياض، ولكن أنا وحداوي بحكم أني من المجتمع المكي، ولكن حال فريقنا في الأعوام الأخيرة بات مزرياً، وقد كبّرت على النادي أربع تكبيرات وصليت عليه صلاة الميت منذ زمن. أبرز محطاتك في الصحافة الرياضية؟ - أشرفت على القسم الرياضي في جريدة الجزيرة أيام صحافة الأفراد في عهد الراحل عبدالله بن خميس – يرحمه الله – واستقطبت رئيس التحرير الحالي خالد المالك للكتابة في الصحيفة ومنحته الفرصة كاملة للبروز في الساحة الإعلامية، وأشرفت على القسم الرياضي في صحيفة الرياض في أول عهد للمؤسسات، وكنت حينها أعمل في نادي الهلال أميناً عاماً للنادي برئاسة الراحل عبدالرحمن بن سعيد – يرحمه الله – وجلبت رئيس التحرير الحالي تركي السديري الذي كان معنا في الهلال عضو مجلس إدارة، للكتابة في الصحيفة لأنه كان طالباً جامعياً مثقفاً، ومنحت الفرصة لكثير من الإعلاميين أيضاً خلال فترة وجودي في الصحافة الرياضية. رافقت الأمير فيصل بن فهد في كثير من المناسبات الرياضية، فما الموقف الذي ما زال عالقاً في ذهنك معه؟ - الموقف الذي لن أنساه أنني طالبته في يوم من الأيام بمدينة رياضية في مكةالمكرمة وأكدت له أنها رغبة المكيين، فتجاوب معي سريعاً وأخذ الموافقة على شراء أرض كبيرة في الشرائع، ثم جلب شركة عالمية لتصميم وتنفيذ الملعب حتى خرج بصورته الجميلة وأسماه مدينة الملك عبدالعزيز الرياضية، ولي رجاء من المسؤولين في الرئاسة العامة لرعاية الشباب بأن يعاد النظر في الاهتمام بزراعة الملعب وإضاءته وأن يتم تجديد الفلل وبيوت الشباب التي هرمت مع مرور الزمن.