انتهت مع إطلالة صباح العام الهجري الجديد 1435 الإثنين الماضي، مهلة تصحيح وضع العمالة الأجنبية المخالفة لنظام الإقامة في السعودية، بعد مهلة ستة أشهر لتعديل أوضاعها. وأعلنت وزارتا الداخلية والعمل استعداد فرق التفتيش لديهما لمداهمة أماكن تجمع العمالة المخالفة وتوقيف المخالفين وترحيلهم، إضافة إلى عقوبة مالية تصل إلى 100 ألف ريال لكل من يشغل عاملاً وافداً ليس تحت كفالته رسمياً. أهداف حملة التصحيح وعقوبة الوافد المخالف ومن يشغله من المواطنين تتقاطع فيها عوامل أمنية واجتماعية وديموغرافية واقتصادية كثيرة. وبالتركيز على الآثار الاقتصادية فالمتوقع أن يكون تأثير الحملة سلبياً في الأجل القصير، فنقص العمالة المعروضة في السوق سيؤدي إلى زيادة طفيفة في الأسعار وخروج بعض المنشآت من السوق، إضافة إلى ارتفاع أجور العمالة المهنية وتحديداً في قطاع المقاولات، فالمتوقع ارتفاع أجور عمالة البناء واللياسة والبلاط والسباكة وغيرها. أما الآثار الاقتصادية في الأجلين المتوسط والطويل فجميعها إيجابية، ويمكن إجمال هذه الآثار في النقاط التالية: أولاً: انخفاض حجم ونسبة التسرب النقدي والمالي خارج البلاد، والأرقام تقدر حجم حوالات العمالة الأجنبية للخارج سنوياً بين 100 و120 بليون ريال، وهي نسبة ضخمة بكل المقاييس، ولو وفرت حملة التصحيح ربعها أو قريباً منه فستكون نجحت بكل المقاييس والاعتبارات. ثانياً: انخفاض حجم إعانة السلع الضرورية المدعومة من موازنة الحكومة فنسبة العمالة الأجنبية بحسب مصلحة الإحصاءات العامة تشكل 32 في المئة من إجمالي السكان، ونظراً لأن الإعانة تدفع بحسب السلعة وليس بحسب الدخل أو جنسية المستهلك (مواطن أو مقيم)، فإن مبلغاً جيداً من معونة السلع الأساسية يتوقع توفيره مع خروج العمالة المخالفة من البلد جراء حملة التصحيح. ثالثاً: انخفاض حجم البطالة بين السعوديين، فإن كانت نسبة الأجانب كما ذُكر تشكل 32 في المئة بحسب الإحصاء الرسمي (45 في المئة عند أخذ المقيمين بطريقة غير نظامية في الاعتبار)، وتبلغ بطالة الذكور في السعودية ما يزيد قليلاً على 6 في المئة، وتبلغ نسبة البطالة للإناث 35 في المئة، وليس من المنطق والمعقول أن يبقى المواطن عاطلاً، والمقيم بصورة غير نظامية يحتل وظيفة ومكاناً كان يجب أن يكون للمواطن. رابعاً: الانخفاض المتوقع في سوق العقار وخصوصاً معدل الإيجارات في المدن الكبيرة، الذي يشهد غلاء وارتفاعاً كبيراً نتيجة كبر حجم الطلب من المواطنين (نسبة 61 في المئة من المواطنين لا يملكون منازلهم الخاصة)، إضافة إلى دفع الطلب للأعلى نتيجة كبر حجم ونسبة العمالة الأجنبية الطالبة للسكن. خامساً: وهو الأهم، أن العمالة الماهرة والمنتجة وذات الكفاءة لن يفرط فيها الكفلاء، وبالتالي فإن هذه الفئة ستستمر تعمل وتنتج داخل البلد، ولذا فمن سيتم ترحيله هو المخالف الذي لا يعمل عند كفيله، ولم يستطع تعديل وضعه والنقل إلى كفيل آخر خلال فترة التصحيح. وهذه العمالة التي لم تجد من يكفلها أو يشغلها هي العمالة العادية وغير الماهرة، وبالتالي فإن خروج هذه الفئة من السوق لن يؤثر كثيراً في الناتج الاقتصادي الفعلي للبلد. سادساً: وأخيراً، إن منع العمالة الوافدة من العمل عند غير كفلائهم الرسميين، سيجنب البلد والاقتصاد جناية تجار التأشيرات على سوق العمل. فمن المعلوم أن من أغرق البلد بالعمالة الوافدة هم تجار التأشيرات، وهي فئة لا تنتج للاقتصاد شيئاً غير تسريح العمالة الوافدة في مقابل معلوم آخر الشهر، وهذا أمر غير صحي وغير مقبول، ويجب وقفه والقضاء عليه فوراً مع نهاية فترة التصحيح. ختاماً، ما زال الحكم باكراً على تأثير حملة التصحيح في السوق وفي الأسعار، ولكن كل البوادر والمؤشرات تميل لمصلحة البلد واقتصاده ومواطنيه، ولذا يجب أن تطبق حملة التصحيح بكل قوة وفاعلية وبلا تقاعس أو استثناءات، وبلا مزيد من التأجيل. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية.