سلك ملف إفلاس رجل الأعمال صلاح عزّ الدين طريقه إلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان جان فرنيني، بعد ادعاء النائب العام المالي بالتكليف القاضي فوزي أدهم على عزّ الدين ويوسف فاعور وخمسة آخرين، بجرائم الإفلاس الاحتيالي وإعطاء شيكات من دون رصيد وتعاطي المراباة والاحتيال ومخالفة قانون النقد والتسليف. وفي انتظار ما ستسفر التحقيقات عن نتائج توضح بالأدلة أسباب هذا الإفلاس والمسؤوليات والمبالغ التي ذهبت في مهب الريح، للانتقال إلى مرحلة التعويض على الدائنين والآلية التي ستُتبع، استوضحت «الحياة» أستاذ قوانين الأعمال في الجامعات في لبنان الدكتور بول مرقص، عن الآلية القانونية التي تُعالج فيها هذه القضية، فأعلن أن من الناحية القانونية المبدئية، «يُعتمد في الشق الجزائي قانون العقوبات في المادة 689 منه، التي تنصّ في حال جرم الإفلاس الاحتيالي على السجن سبع سنوات حداً أقصى». وأوضح أن هذا النوع من الإفلاس هو «جناية»، لأن «المقصود وبحسب وقائع التحقيق التي نطلع عليها، أن الإفلاس ليس تقصيرياً بل احتيالياً، إذ اتضح أن هناك إخفاء دفاتر، في ظل عدم وجود محاسبين أو دفاتر نظامية ممسوكة وفق الأصول، لأن على التاجر أن يمسك دفاتر لتنظيم حساباته، وأن تكون مسجلة ومختومة ومرقّمة أصولاً من دون حشو أو إضافات أو مغايرات». فيما الإفلاس التقصيري، «هو من باب الإهمال والتقصير، كالعمليات الوهمية أو التعهد بالتزامات تتخطى إمكانات الشخص المالية». وأكد مرقص، أن في هذه القضية «لا تتحمّل السلطات النقدية والمصرفية مسؤولية قيام شخص بالاستدانة من السوق أو المتاجرة أو بإجراء عمليات مالية ومصرفية». وأوضح أن «المحاكم تتدخل عادة بناء على دعوى المدين إذا كانت الفوائد مرتفعة جداً، وفي هذه القضية ليس الوضع كذلك، كما أننا لسنا أمام تلاعب في العمليات المصرفية، لأن القضية هي أن أحد الأشخاص كان يستدين ويدفع فوائد مرتفعة جداً، تصل إلى 50 أو مئة في المئة». ورأى أن «المسؤولية المعنوية تقع على الدائنين، أي الناس الذين أقرضوا هذا الشخص، وقبلوا بتقاضي فوائد مرتفعة، تصل إلى أصل الدين، أو 50 في المئة من قيمته». وسأل: «كيف يمكن تصوّر شخص مستثمراً في الأسواق المالية المنظّمة بما يتعدى فائدة 6 أو 7 أو 12 في المئة؟ وهل هو قادر على تغطية 50 ومئة في المئة من أصل الدين؟». وشدّد في هذا المجال على أن المسؤولية «مشتركة بين المقرض والمقترض». ولفت إلى أن القضية «تكرر قضية جورج الصايغ في ثمانينات القرن الماضي وغيره، والناس لم تتعلّم من تبعات مثل هذه العمليات». وإذا كان يوجد قانون يسمح أو يحظّر هذه الأعمال، واستناداً إلى أي قانون يستعيد الناس حقوقهم، لفت مرقص إلى أن القانون «يحظّر أعمالاً مخلّة بالنظام العام وبالآداب العامة وينصّ على أحكام إلزامية على المصارف والمؤسسات المالية المقرضة، لكن القانون لا يمنع أي شخص يقترض ويدفع فوائد، ما لم يشكُ هو نفسه من ارتفاع الفائدة. والواجب الثاني للقانون هو حماية الدائنين، وهنا يُعتمد قانون التجارة، وهو يمثّل الشق الثاني من المعالجة، أي الشق التجاري». وأوضح أن القانون «نصّ على أن في حالات الإفلاس سواء كان بسيطاً أو تقصيرياً أو احتيالياً، تُشكّل جماعة من الدائنين تكون جديرة بالحماية وهم عملياً الناس الذين أقرضوا ووقعوا ضحية هذا العمل». وأشار إلى أن القانون «يحمي هؤلاء باتخاذ إجراءات تقضي بكفّ يد المدين التاجر المفلس عن إدارة موجوداته، ويُعيّن وكيل للتفليسة يكون لمصلحة جماعة الدائنين، يتولى بيع موجودات المفلس ويعوّض بهذه الأموال ما خسره الدائنون». ونبّه مرقص إلى أن للقانون «حدوداً في الحماية ويترك الأمر إلى الدائن الذي حمى نفسه أصلاً بضمانات عينية عقارية أو بوجود كفيل». لكنه أوضح: «في هذه القضية وبحسب ما نطلع عليه من التحقيقات عبر وسائل الإعلام، فإن الناس أقرضوا على المكشوف وركنوا إلى وضع الشخص المالي، ولم تحصل غالبيتهم على ضمانات عقارية». إذ ينص القانون، على أن «للدائنين الذين حصلوا على ضمانات عقارية أولوية وامتيازاً على الدائنين العاديين الذين يحصلون على التعويضات بتقاسم ما تبقى من أموال في حال وُجدت، بعد أن يكون الدائنون أصحاب الامتيازات والتأمينات العقارية، استعادوا أموالهم بالأولوية». واعتبر أن «طابق التفليسة المنتظر (يعني ما بقي من موجودات)، واستناداً إلى ما نقرأ من معطيات نتيجة التحقيق، يعاني من نقص في الملاءة النقدية والعقارية بما لا يكفي لسد حاجات الدائنين العاديين، وهنا تكمن المشكلة الكبيرة». وإذا كان هناك إمكان لوضع قانون يمنع تكرار هذه الأعمال، أكد مرقص أن «لا قانون في العالم يمنع ذلك، إذ لا يمكن التدخل في شؤون الناس وتصرّفهم»، محمّلاً جزءاً من «المسؤولية للدائنين». ورأى أن الحلّ لعدم تكرار هذه الظاهرة يتمثل في «حملة توعية وتثقيف حقوقية في المجتمع، بعدم إقراض أي شخص وائتمانه على المكشوف من دون أي ضمانات عينية أو كفيل. والحل يكمن أيضاً في عدم القبول بالفوائد المرتفعة جداً التي تصل إلى أصل الدين أو نصفه». وحضّ الناس على «عدم الركون إلى شخص، في ظل وجود قطاع مصرفي كبير ومتين وسليم في بلد مثل لبنان، يحمي حقوق الناس معتمداً المعايير المحاسبية والنظامية». وهل هناك إمكان للوصول إلى حسابات في الخارج في حال وُجدت لاستعمالها في تعويض الدائنين، أعلن مرقص، أن «من الصعب الوصول إلى حساباته في الخارج، في حال وُجدت لأن رفع السرية المصرفية ليس سهلاً، كما أن القوانين تختلف من بلد إلى آخر». ولفت إلى أن الأمر «يحتاج إلى معاملات وآلية معينة وضيقة جداً، إذ يجب الاستعلام عن هذه الحسابات ودرس النظام القانوني في البلد الذي أُودع فيه هذا الحساب، وإذا كان يسمح في حكم إفلاس صادر عن محكمة وطنية محلية يعطى الحكم الصيغة التنفيذية ويقبل رفع السرية المصرفية». وشرح مثالاً عن القانون في سويسرا، وهو ينصّ على رفع السرية المصرفية في المبدأ في حال كان المودع غير مقيم في البلد، شرط صدور قرار عن محكمة أجنبية وهي في هذه الحال المحكمة اللبنانية، وإعطاء هذا الحكم الصيغة التنفيذية في سويسرا. كما يمكن مراجعة القضاء السويسري لوضع ما يسمّى حجزاً احتياطياً على الحساب شرط إثبات الدين بموجب حكم سويسري أو حكم أجنبي، وفي هذه الحال يحجز المصرف الأرصدة والودائع. ويُلزم المصرف في سويسرا بالإفصاح عن رصيد الحساب بموجب قانون صادر عام 1978».