العنوان أوحت به طرفة تقول إن أحد الإخوة المقيمين يقف أمام باب الجوازات، فسأله أحدهم: « وش عندك» فأجاب: «مصحح وضعي لا تكلمني»، وهي طرفة ترتكز على الظاهرة الاتصالية النصراوية نسبة إلى نادي النصر السعودي التي نجح جماهيره في جعلها جملة شهيرة، بلغت شهرتها أن أصبحت هناك ملصقات على زجاج السيارات تحمل العبارة الشعبية الأشهر هذه الأيام «متصدر لا تكلمني»، وللانتشار الذي يحققه دوماً خطاب النصراويين الشعبي قصة عجيبة لعلّي أعود إليها بعد درس العواقب بعمق، ولا سيما أنني لا إلى هؤلاء ولا أولئك في ما يتعلق بكرة القدم. أستخدم التعبير ذاته متحدثاً عن المواطن في موقع المسؤولية التشريعية والرقابية، وعنه في موقع المتلقي، فالجميع «مصحصحين» لخطاب الترهيب الاقتصادي الذي يستخدمه المتضررون من تصحيح الأوضاع، ويكفي أن أستشهد بثلاثة عناوين مهددة قرأناها في اليومين الماضيين هي: «لجنة النقل: 30 في المئة من شاحنات المملكة ستتوقف عن العمل مع بدء التفتيش»، و«حملات التفتيش تعلق الدراسة في 70 في المئة من المدارس الأهلية العالمية»، و«مخابز توقف خطوط إنتاجها وتوقعات بمغادرة 20 في المئة منها السوق». عنوان المدارس تم إبطاله بتصريح المسؤولين أن التفتيش عليها سيتم نهاية العام، فلا ولن تعلق الدراسة، لكن يظل ملاكها يعلقون أوضاعهم على حبال واهية، يتضرر منها عملاؤهم من الطلبة وأهاليهم، وإذا كان 70 في المئة منهم يشغل كوادر غير نظامية.. فكيف يعلمون الناس وهم لا يعلمون أنفسهم. الشاحنات التي ستخرج من الخدمة ستخفف الزحام كثيراً، وربما سترفع أسعار الغذاء والوقود فنحافظ على صحتنا وبيئتنا، وبعيداً عن المزاح فقيادة الشاحنات مهنة ليست غريبة على السعوديين، ويمكن أن تعود إذا عادت بشكل يحترم مستويات الأجور وطبيعة العمل الشاق، والدليل أن بعض شركات الألبان والنقل العملاقة والمساهمة تشغل السعوديين على شاحناتها بأجور محترمة، وشروط عمل منصفة. المخابز ربما أعادت الكثير منا إلى «خبزة» المنزل، أو إعادة الخبازين السعوديين الذين يذكرهم الناس منذ عهد ليس بالبعيد يخبزون في المخابز، والنسبة المتوقعة يمكن تحملها. «الصحصحة» المطلوبة أن نتعامل مع هذا الخطاب أولاً على أنه حق مشروع لأصحابه كونهم يدافعون عن مصالحهم وأرباحهم، كما تدافع الحملة عن مصالح ستتحقق على المديين المتوسط والبعيد إذا تحققت الاستمرارية، والعدالة، وخلت من الاستثناءات، ثم نتعامل معه كفرص نقرأها ونحاول استغلالها، فما يشغر في أي قطاع، بخاصة في المهن الحرة، هو فرصة لعودة التوازن إليها، والتوازن في كل مكان في العالم أن يكون في كل مهنة مربحة نسبة معقولة من أبناء البلد يمارسونها. هذا المخاض ليس جديداً على السوق والناس، فلقد حدث مرتين في ذاكرتي الشخصية بعد أن تغيرت خريطة العمالة والأعمال لأسباب سياسية، أو بسبب حملات تصحيح، لكن هذه المرة بدت كبيرة وربما قاسية على البعض، لأنها تأخرت، ولأن المخالفين تكاثروا، ولأن البعض تمادى في عدم تقدير واحترام النظام الأمني والعمالي، فكان لا بد من فرض الهيبة النظامية مجدداً، الفرض الذي أتمنى أن يطول ويصبح هو الأصل، وليس الاستثناء. [email protected] @mohamdalyami