صورة تلقيتها عبر «الواتساب» تتضمن حشر مجموعة من العمالة الوافدة في حوض شاحنة كبيرة وهم من مخالفي الإقامة أو ممن يتم ضبطهم من المتسللين إلى المملكة , الصورة بالطبع يتم تداولها وغيرها داخل وخارج المملكة وبشكل مكثف لتعميم معلومة حول سوء معاملة السعوديين للأجانب العاملين هنا ويصل الأمر إلى حد تداول مكثف للصور ومقاطع فيديو عن معاملة الأجانب وتنفيذ الأحكام والحدود في بعض الحالات المدانة شرعاً في قضايا منوعة , المهم أن الصور يتوسع تداولها ويزاد اللغط والهمز والغمز حولها لتكثيف الإساءة إلى بلادنا بشتى السبل , وما أود الإشارة إليه أن مطاردة العمالة في مواقع أعمالهم والدخول إلى غرف نومهم وحشرهم بتلك الطريقة في حوض الشاحنة من المبالغات التي تخل بالجانب الإنساني وهي بالطبع اجتهادات فردية وتمريرها عبر وسائل الإعلام بطريقة غير احترافية ومتقنة لا تتوافق مع بيانات الجهات الرسمية وأهداف حملاتها مما يشكل ضرراً على سمعة البلد وأسلوب تعامل الغير مع مواطنيها في الخارج , فالإعلام المحلي أسهم في توتر علاقاتنا مع مجتمعات ودول أخرى بالمبالغة في نشر الحوادث والحالات الفردية لعمالة أو خادمات المنازل مما أضر بالبلد جميعاً ودخلت معه بلادنا في أزمة كبرى حيال استقدام عاملات المنازل والخادمات من دول عديدة حتى غدت تملى علينا الشروط المغلظة وتسبب الأمر في أزمات منوعة في غالب بيوتنا , أيضاً بالنسبة للعمالة الذين تطاردهم لجان العمل والجوازات والداخلية هم شركاء لنا في مشوار التنمية غالبيتهم جاء للعمل بشكل نظامي ويتمتع بكل حقوق الإقامة الكريمة ولكن حين يستوقف بطريقة استفزازية أو يرى ابن جلدته يعامل بشكل غير لائق ربما لمجرد مخالفة مسمى المهنة مع طبيعة عمله فلا شك انه سينحاز إلى تكثيف شعور الامتعاض من المجتمع وربما رسم الصور المغلوطة عنه وعن أفراده رغم أنه حتى موظفي الدولة يمارسون غالباً أعمالا تخالف مسميات وظائفهم المعينين عليها , وصحيح أن شوارعنا وعموم مدننا اتخمت بالمحلات والدكاكين المنوعة التي تدار بالكامل بأيد غير سعودية في ظل عزوف تام من أبناء البلد عن تلك الأعمال ربما بسبب ثقافة اجتماعية موروثة أو لارتباط الجيل الحالي بمستوى معيشة معين لا يجعل من عائد تلك الأعمال مجزياً له على الأقل في هذه الفترة رغم جهود وزارة العمل في توطين كافة المهن ووضع المزايا للسعوديين لخوض العمل إلا أن ثقافة العمل الحكومي والرغبة فيه تسيطر على الجميع مهما خفت المزايا , أيضاً وزارة العمل التي تنادي بسعودة الوظائف لا تملك قاعدة بيانات عن طالبي العمل السعوديين فقط يجبر صاحب العمل على الوصول إلى النسبة المحددة وعليه البحث عن هؤلاء السعوديين دون أن يجدهم أو حتى يجد الملتزم والمتحمس للعمل بينهم , والتجارب في هذا الجانب عديدة , وما يعاب على وزارة العمل انها لم تمسك العصى من المنتصف فتُرغب في السعودة دون أن توفر الحلول وتعمل لتفريغ البلد من الأجانب هكذا عنوة وبأنظمة صارمة لا تتوافق وطبيعة وحجم سوق بلادنا ومجتمعها , ففي الاحساء لاحظ الجميع غياب غالبية العمالة عن السوق في ظل حالة ترقب لحملات التفتيش فارتفعت أسعار عمالة الصيانة ما بين سباكين وكهربائيين وغيرهم من أصحاب المهن حتى المخابز المحلية التي توفر رغيف الخبز سدت أبوابها وهو ما يعد إضراراً بالسوق المحلية وتحميل المواطن تكاليف إضافية خاصة ونحن في طور نمو وتنمية كبرى وعشرات الألوف من المواطنين يشرعون في بناء المساكن لهم معتمدين على سوق العمالة المحلية , كما أن شخصية بلادنا تلازمها سمات خاصة ترتبط بالإنسانية والروح الإسلامية وهو ما يتوجب نوعاً من المعاملة الحسنة مع كافة العمالة وصياغة الأنظمة بأسلوب مرن يراعي ظروف البلد وحجم العمل والتنمية الحالية فيها , فهل توازن وزارة العمل بين الحاجة والمعروض , وهل حلول السعودة في هذا الحجم من الملاحقات التي يفترض أن توجه للإخلال الأمني دون أن تكون عامة تدخل اقتصادنا في أزمة وتحمل المواطنين مزيداً من التكاليف . للكاتب / فرحان العقيل نقلا عن صحيفة اليوم