تُعتبر كاتدرائية "السيدة الأفريقية" من أهم المعالم الدينية والتاريخية في العاصمة الجزائرية، ومن أبرز الأمثلة على التعايش الطائفي والعقائدي في المجتمع. كما أن تمركزها في مكان مرتفع، وتوسطها أشهر الأحياء الشعبية في الجزائر، ك"باب الواد" و"سوسطارة" وغيرها، جعلها تتبوأ مكانة خاصة لدى الأهالي والسياح الأجانب على حد سواء. و"السيدة الأفريقية" مقام مقدس بُني عام 1872. وتعود التسمية إلى عام 1850، حين لم تكن أفريقيا معروفة كما هو حالها الآن. وكانت الجزائر بوابة العبور إلى تلك القارة، ويطلق عليها اسم "أم افريقيا". ومن هنا استوحى الفرنسيون التسمية، وأطلقوا اسم "السيدة الأفريقية" على المقام، ويقصدون به السيدة "مريم العذراء". وتتميز الكنيسة "المقام" بالطراز المعماري البيزنطي، وزخرفة تعود للعصر العربي- الإسباني. ويتوسط مدخلها ثلاثة أبواب كبيرة، قدمها هدية بحارة مروا قرب المكان أثناء عملية البناء. أما في الداخل، فلا يتوقف عزف الموسيقى الهادئة لأشهر الموسيقيين على آلة الأورغ، المكون من 300 قصبة، وتشبه موسيقاه موسيقى البيانو. ويتوسط القاعة تمثال للسيدة مريم العذراء، وسط لوحات جدارية فنية تعبّر عن قصص وشخصيات من الإنجيل. كما عُلّقت على الجدران ألواح بالعربية والأمازيغية والفرنسية، مكتوب في داخلها أمنيات خاصة ونذور مستجابة، ولعل أشهرها لرائد الفضاء فرانك بورمان الذي تمكّن من الصعود الى الفضاء سنة 1970. ويقول القس آلدو، وهو إيطالي الجنسية ودرس الحديث وتفسير القرآن: "السيدة الافريقية مرحب بها هنا. الجزائريون يزورونها دائماً، فهم يتشاركون الموروث الديني نفسه. القرآن والإنجيل مجّدا مريم العذراء، والمسلمون يأتون إليها من أجل الصلاة في قلوبهم، والطلب من الرب لأن المكان مقدس مخصص للعبادة". ويتحدث القس آلدو عن وقوف الشعب والسلطات الجزائرية معاً لإصلاح الكنيسة بعد زلزال بومرداس، والذي كلّف أكثر من مليون يورو. المكان يكاد لا يفرغ من الزوار الجزائريين. وتقول خديجة التي قصدت المقام آتية من العاصمة: "وجود الكنيسة أمر جيد نظراً لمكانها الجميل المطل على البحر، وكذلك توفر الأمن يجعلنا نقضي أوقاتاً طيبة في الساحة الخارجية مع أبنائنا، أما ارتباطها بالمسيحية فذلك لا يهمّ لأن لكلّ إنسان ديانته". ويرى سفيان الذي أتى من مدينة بشار مع زوجته أن الكنيسة "معلم سياحي هام للجزائر، ويجب على السلطات الجزائرية حمايتها والاهتمام بها لأنها تجلب السياح ومعهم تأتي العملة الصعبة التي تفيد الاقتصاد الوطني". في المقابل، يقول أحمد (28 عاماً)، إنه لا يفهم سبب عدم إغلاق السلطات الكنيسة نهائياً وتحويلها إلى مسجد، أو الاستفادة من الأرض التابعة لها، موضحا أنه لا يعجبه وجودها في حيّه، كما يشتبه بأنها تقوم بحملة تبشير للجزائريين. وعلى رغم اختلاف الآراء، تبقى كنيسة "السيدة الأفريقية" معلماً بارزاً، ورمزاً للتسامح الديني في بلاد تقطنها أغلبية مسلمة. ولا يزال الزائر يتمتع بالمناظر الخلابة لساحتها وهندستها.