بعد نشر مقالي السابق عن الصامتين الذين لم يشجبوا العملية الإرهابية الأخيرة اتصل بي أحد تلاميذي النجباء ليسألني عمن اقصد بهذه الفئة فقد التبس عليه الامر، ذكرت له انني أكن احتراماً عميقاً لكل مسلم معتدل ومتسامح، وأكدت له ان كل كتاباتي كانت ضد المتشددين المؤدلجين الذين يتخذون الدين ستاراً لمعارضتهم للدولة وللمجتمع، فقد نشأت في بيئة اسلامية سلفية معتدلة، إذ إنني لا زلت اذكر ايام دراستنا الابتدائية - في التسعينات الهجرية وقبل ان يتم اختطاف التعليم وأدلجته من قبل تلامذة الإخوان المسلمين - ان اساتذتنا كانوا اسرة واحدة يستوي في ذلك مدرس الدين الملتحي او مدرس الحساب والرياضة الحليقون، حيث كانوا يجتمعون في الفسح الدراسية ويخرجون الى البر كل يوم جمعة، فلم يكن هناك تصنيف ولا تحريض، وكان حسن الظن هو السائد بين الناس، ولا زلت اذكر ان رجلاً انقلبت دراجته النارية قرب منزلنا وكان في حالة غير طبيعية فتجمع اطفال الحي حوله ينعتونه بأقذع الاوصاف، وفي تلك الاثناء خرج جماعة من المسجد مع الإمام ونحن متحلقون حول الرجل فنهرنا الإمام وأخذ الرجل وادخله في ملحق احد المنازل حتى عاد الى طبيعته بعد ساعات عدة وغادر الحي بهدوء. لم يتصل احد بالشرطة فقد رأوا أن الستر أولى وادعى لهداية الرجل وهو ما تم، إذ إنه اصبح لاحقاً مواطناً صالحاً شهد له بذلك القاصي والداني، وقد يكون لحسن التعامل معه في ذلك الموقف دور في تحوله لاحقاً الى طريق الصواب. قلت لتلميذي إن إمام مسجدنا ووالدي ووالدك يمثلون الاسلام السلفي الحقيقي، إسلام الحب والخير والتسامح وإحسان الظن، وهو الاسلام الذي رآه تلاميذ سيد قطب جزءاً من الجاهلية وبدؤوا مشروعهم لأسلمة المجتمع تمهيداً لاقامة دولة الخلافة الاسلامية، حدق التلميذ ملياً وطلب توضيحاً اكثر، فذكرت له انني انضممت وانا شاب يافع في المرحلة المتوسطة الى جمعية التوعية الاسلامية ووضعوني في مجموعة من سبعة اشخاص يرأسنا طالب اكبر منا سناً، وكانوا يأخذوننا الى رحلات عدة نقرأ خلالها في كتب الاخوان المسلمين عن الحاكمية وغيرها مما لم يكن عقلي الصغير قادراً على استيعابه، ادركت بعد فترة ان زملاء لي في المدرسة كانوا في مجموعات اخرى ولم نكن نعرف عنهم شيئاً، اذ كان مطلوباً منا ألا نتحدث الى احد، ثم عرفت لاحقاً ان كل هذه المجموعات كانت خاضعة لشخص لا نعرفه بالاسم، الذي بدوره كان خاضعاً لشخص آخر اعلى منه شأناً. بدأت الهواجس تأخذني كل مأخذ وبدأت اكثر من الاسئلة على رئيس مجموعتنا، ويبدو انه ضاق ذرعاً بي وبأسئلتي، لذا عندما قررت الانسحاب من هذه الجمعية لتخوفي مما يدور فيها من نشاط لم يعارض كثيراً بل طلب لي التوفيق. قال تلميذي انت إذاً لم تكتب ضد المسلمين المعتدلين، ولكن ضد من يستخدم الدين لأغراض دنيوية، قلت نعم بالتأكيد وهؤلاء هم الخطر الحقيقي على الوطن وأمنه، إذ إنهم هم التكفيريون الصامتون الذين لا يراودني شك بأنهم يدعمون الحركيين من المفجرين مهما تلونوا وشجبوا، قال لماذا إذاً ينعتون كل من يكتب عن التكفيريين بأنه تغريبي؟ قلت لأنهم يريدون صرف الانظار عن الخطر الحقيقي المتمثل فيهم وفي الخوارج الذين يبيحون قتل المسلمين، أو لم يقتلوا أعظم فلاسفة الاسلام علي بن ابي طالب «رضي الله عنه»؟ قال الآن اتضحت الصورة فأنت تقف ضد هؤلاء الخوارج ومن يدعمهم من الصامتين؟ قلت نعم ومعظم ما أكتب هو ضد التكفيريين الصامتين او من يسمون بقعدة الخوارج، فهم الجذر الذي يجب استئصاله ورأس الافعى الذي إن لم يتم القضاء عليه وبعنف فإن نزيف السم سيستمر... اللهم احمِ الوطن من الصامتين أما الحركيون فقوات الأمن ومن يقف وراءها كفيلة بالقضاء عليهم. [email protected]