تكثفت امس، الإجراءات الأمنية وبموازاتها المواقف السياسية المستنكرة للحادث الخطير الذي سجل أول من امس، في طرابلس، بهدف تطويق تداعياته. وإذا كان الجيش اللبناني تمكن بعد ساعات على إطلاق مسلحين ملثمين النار في محلة باب التبانة على عمال (من الطائفة العلوية) عائدين إلى مكان إقامتهم في جبل محسن، من تحديد هوية المتورطين وتوقيف احدهم، فإن المواقف السياسية أجمعت على استنكار ما حصل وتأكيد العيش المشترك في طرابلس. وكانت قيادة الجيش - مديرية التوجيه أوضحت في بيان ليل أول من امس، انه «بعد الظهر وفي محلة التبانة وأمام مدرسة السلام، أقدم مسلحان ملثمان على توقيف سيارة فان بداخلها نحو ثمانية أشخاص، واقتادوهم بقوة السلاح إلى الأحياء الداخلية، ثم قاموا بإطلاق النار على أقدامهم، حيث أصيب ستة منهم بجروح غير خطرة. ونقلت قوة معززة من الجيش المصابين إلى المستشفيات للمعالجة، وواصلت وحدات الجيش تنفيذ تدابير أمنية مشددة، وملاحقة المسلحين اللذين لاذا بالفرار داخل أزقة المحلة المذكورة». ثم اتبعت بيانها الأول ببيان لاحق أوضحت فيه انه «بنتيجة البحث والتحريات تم تحديد هوية المسلحين وكل المتورطين في عملية إطلاق النار وهم اللبنانيون: خالد جمال الراعي، عمر محمد عبد العزيز الأحمد، مصطفى عبد الحميد جوهر، والسوري يحيى سمير محمد. وداهمت قوى من الجيش أماكن وجودهم وأوقفت سمير محمد، وتعمل على ملاحقة باقي المتورطين لتوقيفهم وإحالتهم على القضاء». اجتماع بعبدا وعرض امس، رئيس الجمهورية ميشال سليمان في قصر بعبدا مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أوضاع طرابلس، وانضم إلى الاجتماع وزير الداخلية في الحكومة المذكورة مروان شربل الذي «اطلعهما على الواقع الميداني والإجراءات المتخذة لملاحقة مرتكبي حادثة الباص والخطوات التي ينفذها الجيش وقوى الأمن الداخلي في المدينة ومحيطها لضبط الوضع»، بحسب البيان الصادر عن المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري. واستنكر نواب طرابلس وفاعلياتها في بيان الاعتداء، داعين إلى «كشف وملاحقة مرتكبي هذه الجريمة». وقال النائب محمد كبارة في بيان صادر عن المجتمعين إن «الجيش والقوى الأمنية هما ضمان أمن المواطنين»، مستنكرين من جهةٍ أخرى «الحملة على شعبة المعلومات». وأكّدوا أنّ «أي عمل إجرامي وفوضوي تحت شعار رد الفعل على جريمة طرابلس لن يؤدي إلاّ إلى التغطية على الجريمة الإرهابية الكبيرة، أي تفجير المسجدين، وهو يعطي هدية إلى (الرئيس السوري بشار) الأسد على أنه حامي الأقليّات». وكان مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار استنكر «الاعتداءات الأخيرة التي طاولت مواطنين طرابلسيين من جبل محسن» معتبراً «أن هذه التصرفات الأخيرة غريبة كل الغرابة عن أخلاقيات أبناء طرابلس وأدبياتهم وحرصهم على العيش المشترك». وحذر من «الوقوع في فخ تفشيل الخطة الأمنية المعدة لطرابلس، ومن محاولات مشبوهة تهدف إلى صرف الأنظار عن الجريمة الكبرى التي ارتكبت في حق طرابلس وتفجير المسجدين، وصرف الأنظار عن المجرمين الحقيقيين الذين يجب أن ينالوا عقابهم العادل عبر القضاء». شيخ من باب التبانة وعقد الشيخ خالد السيد مؤتمراً صحافياً باسم «أهالي باب التبانة» اعتبر فيه أن «أول فتيل الأزمة بين باب التبانة وجبل محسن كان سببه القنبلة التي ألقاها من يسمى بعلي الزمار من جبل محسن على باب التبانة ذهب ضحيتها اثنان ولا يزال آمناً مطمئناً من دون أن تعتقله السلطات». وقال: «هذا الذي جرأ الناس على أن يتمادوا في طغيانهم وأن يستمروا في جريمتهم وحرّض المظلومين على أن يقتصوا لأنفسهم بأنفسهم، وإن عدم تعاطي الدولة مع ملف ميشال سماحة بجدية فتح الباب ومهّد لتفجيري طرابلس والضاحية. وتساهلها وعدم قيامها بمسؤوليتها أدى إلى هذه الفوضى». وقال: «إن تصريح أسد عاصي مفتي الطائفة العلوية حيث أعلن حماية المجرمين ورهن مصير الطائفة به، كان وقوداً سرياً لاشتعال الفتنة». وأرفق كلامه بعرض صور لقتلى الانفجاريين قائلاً: «هؤلاء هم من البشر يحترقون، قارنوا هذه الجريمة بالجريمة التي رفعتم الصوت علينا فيها عالياً وأنتم تهددوننا بسبب أعمال رد فعل خرج من عاطفة جياشة غير مسؤولة». السنيورة ووصف رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة الاعتداء ب «جريمة موصوفة لا يمكن أن يقبل بها احد ومن قام بتنفيذها مجرم مدان، يجب أن يقبض عليه ويحاكم أمام القضاء، وهذه الجريمة تخدم مصلحة أعداء لبنان، وتذكرنا بالجرائم المشبوهة التي كانت تشهدها الأحداث المأسوية التي عاشها اللبنانيون». وأكد «أن من يستهدف سكان جبل محسن مجرم مشبوه ولا علاقة لباقي سكان طرابلس بهذا العمل المجرم والجبان. كما لا علاقة لأهل جبل محسن بالجرائم التي سبق أن استهدفت طرابلس». واعتبر النائب غسان مخيبر في حديث إلى إذاعة «صوت لبنان» أن ما يحصل في طرابلس «هو حرب الآخرين في لبنان، وعلى اللبنانيين ألا يكونوا الوقود الذي يشعل هذه الحرب»، سائلاً: «لماذا لا يتم حسم الأمور في طرابلس كما حصل في صيدا؟». وحمل رئيس» لقاء الاعتدال المدني» مصباح الأحدب «الدولة تبعات هذا العمل المدان». وأكد «أن عمال جبل محسن محتضنون من قبل المؤسسات التي يعملون فيها». وحذّر من «موقف المجلس الإسلامي العلوي الذي تبنى علي عيد وقدمه كرمز للطائفة العلوية، فمن غير المقبول تحويل الطائفة العلوية إلى متراس يحمي الإرهابيين». واعتبر رئيس «الحركة الشعبية اللبنانية» مصطفى علي حسين، في تصريح ان «ما جرى أمر خطير جداً كاد أن يشعل فتنة طائفية مذهبية بغيضة»، محذراً من «التمادي المستمر على أبناء الطائفة العلوية واستهدافهم لأن لصبرهم حدوداً». واعتبر «حزب الله» ما حصل «جريمة موصوفة يجب ان تكون موضع ادانة شديدة من الجميع، وهي رسالة خطيرة لكل اللبنانيين وتشير الى أين يمكن ان يصل التحريض المذهبي في البلد». وطالب الحزب في بيان السلطات الامنية والقضائية ب «اتخاذ الاجراءات المطلوبة ومعاقبة المجرمين للحيلولة دون تكرار مثل هذه الجرائم». كما طالب ب«وقف التحريض المذهبي ودعوة العقلاء الى مضاعفة الجهود لمنع تكرار هذه الاشكالات». قباني وقبلان: لإعادة هيبة الدولة نبه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني في رسالة وجهها لمناسبة حلول السنة الهجرية الى «ان وطننا لبنان بحاجة لأن يهجر أبناؤه ما هم عليه أحياناً قليلة أو كثيرة، من كراهية أو تقاتل أو تحد أو عداء أو انتقام أو إلغاء للآخر أو تعد عليه، وفي الطليعة ساستنا ويتبعهم في ذلك محازبوهم أو مناصروهم، لتنتقل العدوى وتنقلب إلى عداوات في الشارع». وعبر عن خشيته مما يجري في طرابلس «ومن يوم قريب يندم فيه الجميع، وأن الجيش مطالب باتخاذ إجراءات صارمة لفرض هيبة الدولة». ونبه إلى أنه «إذا لم تقم في لبنان حالاً حكومة عادلة، فإن حكومات الشارع والأحياء والمناطق ستتسلم الزمام». وركز نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان في رسالة شهر محرم على أنه «عندما نجتمع لإحياء ذكرى الحسين ليس بدافع التعصب، إنما بدافع المحبة والولاء للإسلام». ورأى «أن أول خطوة إصلاحية في لبنان تكمن بنبذ العصبيات ووضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، فيتنازل اللبنانيون لبعضهم بعضاً ويتشاوروا ويتصالحوا ويبادروا إلى تشكيل حكومة وطنية جامعة تصلح الواقع المتردي وتخرج لبنان من الأزمات المتفاقمة، ولا يجوز أن يمر الاعتداء على مواطني جبل محسن من دون عقاب ومحاسبة للفاعلين، فما حصل جريمة نكراء مدانة، وعلى الدولة بسط سلطتها على أراضيها فتضرب بيد من حديد كل معتد ومنتهك للقانون».