عند بدء كل عام دراسي يتعاظم القلق لدى سكان مقاطعة كيبيك الكندية حيال تفاقم ظاهرة الرسوب المدرسي وعجز المسؤولين التربويين عن إيجاد حلول جذرية لهذه المعضلة وانعكاساتها السلبية على المستويات التربوية والاجتماعية والاقتصادية. وكشف استطلاع للرأي أجرته أخيراً مؤسسة «ليجيه» Leger وشمل ثلاثة آلاف شخص، أن 82 في المئة من الكيبيكيين «قلقون جداً» حيال تنامي ظاهرة الرسوب المدرسي، و40 في المئة يخشون عدم وصول أبنائهم إلى المرحلة المتوسطة. والمؤشر الأكثر تشاؤماً أن 74 في المئة من الطلاب قد لا يحصلون على شهادة متوسطة. ويرى الاستطلاع أن 23 في المئة يؤكدون أن سر النجاح في المدرسة يبدأ في مرحلة الطفولة «الروضة»، وأن 46 في المئة من الأهل يرون ضرورة تدخل الحكومة في حال حدوث أي خلل في المستويات التعليمية، وأن أولياء الطلبة يلعبون دوراً مهماً في مكافحة الرسوب والتسرب المدرسي (حوالى 85 في المئة)، يليهم الطلاب أنفسهم (حوالى 8 في المئة) والمعلمون (حوالى 76 في المئة). كما أشار الاستطلاع إلى أن 50 في المئة ممن لديهم أبناء دون 17 عاما يتمنون أن يصلوا إلى المرحلة الجامعية و26 في المئة يرضون بحصولهم على شهادة ما قبل الجامعية (سيجيب) و13 في المئة على شهادة مهنية متوسطة. وتزامن مع هذا الاستطلاع صدور دراسة أخرى عن «اتحاد التعليم المستقل» تطرقت إلى جوانب جديدة من المشكلة ذاتها، فأشارت إلى أن معدل الرسوب لدى الصبيان هو 20.1 في المئة (ويصل في مدارس الأرياف إلى حدود 80 في المئة) مقابل 12.6 في المئة للبنات. وطالبت الدراسة بضرورة التصدي لرسوب البنات، خشية انقطاعهن المبكر عن الدراسة واستغلالهن في سوق العمل بلا أي مؤهلات تعليمية. ولفتت إلى تفاوت معدل الأجور السنوي بين الفتاة (حوالى 16.500 دولار) والفتى (24.500) ما يعني أن تسلح الفتاة بشهادة مدرسية يتيح لها فرص عمل أفضل وأجر مرتفع. كما أجرت الدراسة تحقيقاً شمل 26 راسباً تراوحت أعمارهم بين 19 و54 سنة بغية معرفة الأسباب الحقيقية للرسوب والتسرب المبكر وتأثيرهما على حياتهم ومستقبلهم، وتوصلت إلى نتيجتين مهمتين: «الصعوبات المنهجية في النظام التعليمي» من جهة، و «المشاكل العائلية» من جهة ثانية، ومعظمها يتمثل بدفع الأبناء للعمل وجني المال، لا سيما الذين يعيشون على حافة الفقر وفي مناطق مهمشة اجتماعياً واقتصادياً. على ضوء هذه المعلومات التي هزت الرأي العام والأوساط التربوية ووصفتها جريدة «لو دوفوار» ب «الكارثة الوطنية»، عقد الخبراء التربويون اجتماعات استثنائية طارئة ورسموا خريطة طريق تضمنت تحولات مهمة في مسار المناهج التعليمية حاضراً ومستقبلاً، من اهمها: - إدخال عدد من النشاطات اللامنهجية في صلب المنهاج التعليمي، كرياضة الهوكي وكرة القدم والروبوتيك وبعض الفنون الأخرى التي تستهوي الطلاب وتغير مزاجهم وتنشط ذاكرتهم وتمنحهم حوافز واعدة للنجاح. - تخفيض مرحلة الروضة «maternelle» من خمس إلى أربع سنوات وبدوام كامل. بمعنى أن يبدأ الطفل المدرسة بعمر 4 سنوات. واعتبر هذا التدخل التربوي الجديد «سابقة» في تاريخ التعليم الكندي، لجهة «أنسنته وعدالته» وتوجهه نحو الأطفال من ذوي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. ويستفيد من هذا المشروع، الذي تبلغ تكاليفه حوالى 50 مليون دولار، أكثر من 80 مدرسة معظمها في الأرياف. - أما الإنجازعلى المدى المتوسط، فيتمثل بصوغ استراتيجية عمل تتوخى حصول 80 في المئة من الطلاب الكيبيكيين عام 2020 على شهادات جامعية، علمية أو مهنية.