تتوقف دراسات كثيرة تعنى بميول الشبان وانجذابهم الى «الجنس اللطيف» عند نظرتهم لمقاييس الجمال ومواطن الفتنة والاعجاب. وتستهوي بعضهم هالة الفتاة الممتلئة، وبعضهم الآخر تأسره نحالتها ورشاقتها. وقد لا يعير اي منهم اهمية لما هو وراء الشكل والجسم. وتختلف ثقافة الامتلاء والنحافة باختلاف الاذواق والقيم الجمالية من عصر الى عصر. ففي الادبيات العاطفية القديمة الغربيةوالشرقية، كانت المرأة الممتلئة (أو «البهكنة» عند طرفة بن العبد وقدماء العرب)، رمزاً للانوثة والغواية النسائية، ومحط انظار الرجال ومصدر الهام شعراء الحب والغزل فضلاً عن كونها علامة فارقة عن غيرها من النساء. وكانت تحظى بإعجاب محيطها الاجتماعي وبالاولوية كزوجة محتملة للأبناء. وامتلاء جسمها كان يُعتبر دليل صحة وعافية، ومهرها يتحدد بمقدار وزنها، وخلافاً لهذه المقاييس قلما حظيت المرأة النحيلة بإعجاب الرجال والشبّان. وغالباً ما كانت توصف ب «العصا» كإشارة إلى شدة ضعفها وسوء تغذيتها، وتواجه بالاستهزاء، تارة، لنفور العظام من جسمها، وبالشفقة، طوراً، لقلة نصيبها في سوق الزواج. ويبدو ان جدلية الامتلاء والنحافة قد تخطت حدود الزمان والمكان لتصبح مثار اهتمام كثير من الدراسات والابحاث المعاصرة. وأجرت مؤسسة «ليجيه»، Leger (أي خفيف)، في كندا، قبل اشهر قليلة، استطلاعاً للرأي شمل 1200 شاب، ممن تراوحت اعمارهم بين 19 و30 سنة، حول شكل جسم المرأة التي تلفت انظارهم، ويمكن ان تكون مستقبلاً شريكة او زوجة. وتبين أن 46 في المئة منهم تستميلهم المرأة الممتلئة، سواء كانت بيضاء البشرة أم سمراء أم سوداء... ويتجلى تميزها، في نظرهم، بالمواصفات الآتية: الملامح الانثوية الصارخة والبنية المتناسقة والقوام المشدود والاطلالة الساحرة والجسد الذي يضج بالغواية والاغراء. وفي خلاصة معظم الدراسات، يميل ميزان التفضيل لمصلحة الممتلئات الى حد كبير، على ان «يضعن حداً فاصلاً بين الامتلاء والبدانة». ويشير استطلاع «ليجيه» الأخير إلى ان 32 في المئة من الشبان يفضلون الفتاة «الرشيقة» التي لا تلجأ الى أنظمة الريجيم او الى العمليات الجراحية، لأنها «تشوه معالم الجمال الطبيعي». ويبدو ان تباين الآراء حول مسألتي الامتلاء والنحافة لا يقتصر على بلد بعينه او على شريحة اجتماعية بذاتها، وانما اصبح احد مظاهرالعولمة الثقافية. ويقول فراس (لبناني، 24 سنة، موظف في مصرف): «أول ما يجذبني الى الفتاة، العربية او الكندية، هو امتلاء جسدها المتناسق، بصرف النظر عن مواطن الجمال الاخرى». ويضيف: «تظهر على طبيعتها وعلى مقدار كبير من الثقة بنفسها، خلافاً للفتيات اللواتي يلجأن إلى تنحيف اجسادهن، ظنّاً منهن ان الريجيم يصنع جمالاً». ويشاطره الرأي فيليب (كندي، 21 سنة، طالب جامعي)، لافتاً إلى ان «امتلاء جسم المرأة لا سيما الشرقية هو المدخل للوصول الى قلبها». اما جمال (مغربي، 26 سنة، مهندس ميكانيك) فيصب جام غضبة على النساء اللواتي «يشوهن صورتهن ويقعن ضحايا الاعلانات التجارية ومراكز التجميل والميديا النسائية ومحطات التلفزة». ويشدد على ان «ثقافة النحافة» وتغيير الاجسام من حال الى حال «اسوأ»، هي «ثقافة مستوردة تجعل الفتاة اسيرة الدعايات الاستهلاكية التي تصور المرأة المثالية في هذا العصر على مثال عارضات الازياء او على غرار سكرتيرات رجال الاعمال». وهو يرى أن الجسد المثالي أصبح اسير الموضة و «مصانع الالبسة التي تطغى عليها القياسات الضيقة».