بعد أشهر من المفاوضات عقد فيها العديد من الاجتماعات، واستعرضَ فيها دارسات جودة المنتج، وتخللها تقديم بعض التنازلات، اقتنعت الشركة الكبرى متعددة الفروع أن تكون من عملاء مؤسسته، ووقعت معه عقدها على توريد المنتج الذي تستورده مؤسسة الناشئة. استنفر الشاب كل طاقته وطاقة موظفيه في تنفيذ العقد بالكميات المحددة والمواعيد المعينة، فرهانه في كسب الأسماء الكبيرة كعملاء لمؤسسته هو في الالتزام بالعقود وإتقان تنفيذها، وكونه من شباب الأعمال فهو يستثمر جزءاً من تجارته الواعدة في سمعته ونقاء اسمه في السوق. ولما جاء وقت الحصاد وطالب الشركة بالسداد، جاءه الرد المُخيّب، بأن مستحقاتك وفقاً لما وردّته للشركة يساوي ثلث المبلغ الذي تطالب به، لم تجدِ نفعاً مراجعاته ومناقشاته لإدارة الصرف في الشركة لسبب بسيط: أنه لا يمتلك الإثبات على توريد البضاعة بالمبلغ المتبقي. هذا السبب الهيّن الذي كان من الممكن تفاديه بتوثيق (تنفيذ) العقد كاد يودي بمستقبل هذا الشاب التجاري، خصوصاً أنه التزام بتعاقدات مع أطراف أخرى، وربط التزاماته المالية بما يؤمل من مستحقات سيحصل عليها من الشركة. توثيق العقد هو توثيق التزام أطرافه به، ومسؤوليتهم عن تنفيذه، وإنهاء هذا الالتزام أمام جهات القضاء لا يكون إلا بإثبات التنفيذ بالبينة، غياب هذا التصور عن كثيرين يجعلهم عُرضة للوقوع في المغبّة نفسها، وتتعاظم الحسرة حين يعرفون أنه كان بإمكانهم تفاديه بورقة! بعد القناعة بأهمية توثيق تنفيذ العقود وأن أهميتها بأهمية توثيق العقد ذاته، يبقى السؤال العملي الذي يقدح ببال كل تاجر: كيف أوثق تنفيذ عقدي؟ واحتاط من الانشغال بأي نزاع بعد وفائي بالعقد، ليكون تنفيذ العقد هو المحطة الأخيرة له. ولأهمية الجواب عن هذا السؤال، سأفرد له مقال الأسبوع المقبل بإذن الله تعالى. *القاضي بديوان المظالم سابقاً. [email protected]