إذا كنت قاضياً أو محامياً فلا بد أنك قابلته يوماً ما، فهو تاجر حريص بكل معاني الكلمة، حريص مع الأفراد والجهات، حريص مع البضائع، حريص مع الأوراق، لا يدع للصدف مجالاً، والسهو عنده غير مغتفر، عقوده مطولة مفصّلة، فالإجمال عنده لا يكفي لمعالجة كل احتمال، وعلى المتعاقد معه أن يعرف عواقب التراخي في تنفيذ الالتزامات، والتلكؤ في إنجازها. إذا أردت أن تتعامل معه فعليك أن تعرف أن عقدك معه مشروط بانتظام التنفيذ، وحسن الأداء، والتقصير في ذلك متبوع بعقوبة فسخ العقد مع تحملك الأضرار كافة المترتبة على الإخلال في تنفيذ العقد وعلى فسخه. والحديث عن فسخ العقود برد حال المتعاقدين إلى ما كانا عليه قبل العقد، أو إلغائها بإنهاء أثرها المستقبلي، مألوف عند المختصين بالفقه والقانون، ومن ذلك حديثهم عن شروط الفسخ والإلغاء وأقسامهما وآثارهما، إلا أنه ليس كل ما دُرِسَ في كلية الشريعة أو القانون يصح أن يضمّن في العقد، فالشيء المهم في صياغة العقد إضافة إلى التأصيل النظري هو الأثر العملي لبنوده، ومدى قابليتها للتنفيذ بناء على قدرات المتعاقدين وطبيعة العقد. كثيرٌ من الشروط المنهية للعقود لا تراعي الاستحقاقات التي ترتبت على ما قبل إنهاء العقد للطرفين وللغير، والسبب في ذلك أن صائغيها لا يهدفون حقيقة إلى فسخ العقد أو إلغائه، بل يقصدون حث أحد أطراف العقد على الالتزام بالتنفيذ، وعندما يقع الإخلال وتُعمل هذه الشروط يتعقد الوضع بين الطرفين أكثر مما هو عليه، بحيث يصعب تفكيكه وحله. وتخلصاً من إشكاليات هذه الشروط يعمدُ المتمرسون في صياغة العقود إلى إبراز الالتزامات المتقابلة في العقد، وجعل التنفيذ مرحلياً من الطرفين بما لا يحيل العقد إلى عدد من العقود، وفي الوقت عينه يسمح بفاعلية التعامل مع توقف أحد الأطراف عن تنفيذ العقد، فيحمي الطرف الثاني من الضرر، ويسمح بإنهاء العلاقة التعاقدية من دون تعقيدات من جهة المحاسبة، أو صعوبات من جهة الإثبات أمام القضاء. إذا استحضرنا أهمية توثيق العقود، فلا بد أن نستحضر أنها تبرم للتنفيذ لا للتهديد، فكم جنى عقد على من صاغه، ورب كلمة قالت لصاحبها دعني. * القاضي بديوان المظالم سابقاً. [email protected]