ملالا يوسف زاي الطالبة الشجاعة التي وقفت في وجه حظر تعليم البنات الذي فرضته جماعة طالبان الباكستانية على فتيات وادي سوات، أطلق عليها عناصر طالبان رصاصة جبانة استقوت على طفولتها وحقها، وتعمدت قتلها، لكن الرصاصة دخلت في رأسها وعينها وخرجت. أثارت هذه الحادثة العالم كله شرقاً وغرباً، مسلمين وغير مسلمين، وجذبت الاهتمام بحقوق النساء في هذه المناطق، وشراسة الحرب على حقوقهن، وكيف وجدت في هذا الزمان جماعات لا تريد أن تذهب الفتيات إلى المدرسة، بل وتعتبر قتلهن لأجل منعهنَّ فعلاً تعبدياً لا يتعارض مع الإسلام! المسلمون استنكروا هذا الفعل ووصفوه بالجريمة، وبريطانيا استقبلت المصابة ملالا وهي بين الحياة والموت، وقدمت لها العلاج في أفضل المستشفيات وعلى أيدي أفضل الأطباء، بل ومنحتها الجنسية كي تحميها، فهي تعرف أنها أصبحت رمزاً يسعى المتشددون إلى إطفائه، ومنحها البرلمان الأوروبي جائزة حرية الفكر التي نافسها عليها إدوارد سنودن الذي كشف معلومات خطرة عن فضيحة التنصت الأميركية التي تقلب العالم في هذين اليومين، وحصل عليها من قبل نيسلون مانديلا، وأيضاً رشحت لجائزة نوبل للسلام. أعتبر ما فعلته ملالا شجاعة فوق الوصف، واستحقت تجربتها أن توضع في كتاب يلقي الضوء على حياتها وحادثتها وظروف النساء في بلادها، واستقبلتها ملكة بريطانيا وتسلمت منها كتابها، هذا في ما يبدو أنه حفز للمقاتلين في الطرف الآخر وعلى رأسهم جماعات طالبان، ومعهم بعض المستكثرين على ملالا كل هذه الحفاوة الغربية! «القاعدة» قالت إنها لم تفعل شيئاً يستحق كل هذا التكريم - معهم حق فهي فقط تستحق القتل - وبعض الأقلام الغربية والعربية وصفت ملالا بأنها أصبحت «دمية الغرب»، فالغرب يلعب بملالا ويستغلها ويستخدمها لتشويه الشرق والإسلام، كما وصفوا الرصاصة التي اخترقت رأسها وكادت تقتلها ب «الرصاصة الذهبية». لدينا مثل يقول: «يحسدون الميت يوم جمعة»، تأكيداً على أن الحساد لا يعدمون سبباً لكي يطلقوا عليك نيران حسدهم، وهذا يطابق قول يزيد بن معاوية الذي صمد سبعة قرون إذ قال: «حتى على الموت لا أخلو من الحسد»! ملالا أيضاً مرشحة لتشويه نضالها، وجعله يصب في مجرى آخر، فهذه الأقوال صرفت جهدها في نقد المبالغة في تقدير شجاعة طفلة وقفت في وجه «القاعدة» بدلاً من إدانة هذا الفعل، وتسليط الضوء على كل الممارسات الظالمة في حق الفتيات داخل عالمنا الشهير بها، ففي كثير من البلدان لا يضطرون لإطلاق رصاصهم على رؤوس الفتيات والنساء لأنهم غالباً لا يجدون معارضة تغضبهم كما فعلت ملالا، بل تراعهم الأنظمة والتقاليد والأعراف، والفتيات الصغيرات عندنا وفي اليمن ومصر والمغرب وغيرها «يقدن» لأعراس ويزفونهن إلى رجال كبار في السن من دون أن يجدوا من يعارضهم، ملالا ليست وحدها من تواجه هذا النوع من التهميش والبيع والتسليع، لكن لأنها واجهته فقد حدث لها ما حدث. أحد شيوخنا منذ أيام يقول إننا لسنا بحاجة إلى نظام يمنع زواج الصغيرات، لأن هذا من تقييد المباح، فحين يتعلق الأمر بمتع الذكور يسمى المنع نوعاً من «تقييد المباح»، أما حين يتعلق الأمر بمنع النساء من حقوقهن فيسمى «سد باب الذرائع»، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كي يمنعوهن من الحلال. بربكم لو خيرت الفتيات بين أن يكن دمية للغرب ويحصلن على الرعاية والتطبيب، وكتابة الكتب، وجائزة فكر حر، وجائزة سلام، وحماية قانونية، وبين شعار أن الإسلام كرّم المرأة ورفع شأنها، لكنها بمجرد أن تخرج للمدرسة تطلق عليها رصاصة، ولو زوَّجها والد متجبِّر وهي في التاسعة، فلن تجد من ينصرها حتى ولو فرّت من المنزل. أيهما في ظنك ستختار الفتيات الذكيات؟ الشعارات الخالية من تطبيقها، أم «دمية الغرب» ملالا؟ [email protected]