لا تقل الدراسات والبحوث الأثرية أهمية عن مثيلتها في مجال التاريخ، فالآثار شواهد وأدلة مادية، تؤكد، أو تنفي، قيمة المعلومات الواردة في المصادر المتعددة الأخرى، وتضيف صدقية إلى ما ورد في كتابات المؤرخين والجغرافيين والرحالة والأدباء والفنانين وغيرهم. وتلقي الشواهد الأثرية والتراثية التي وصلت إلينا، أضواء كاشفة على الحوادث التاريخية، والمعارك الحربية بين أمم العالم القديم، وتعرفنا إلى إنجازات شعوب الحضارات القديمة، وما أضافه كل منها في مجالات الثقافة المتنوعة، وعلوم الحرب والقتال، والقانون والفلسفة والفنون، والعلوم التطبيقية وغيرها. وساهمت الدراسات الأثرية في فك طلاسم كتابات اللغات القديمة، وساعدتنا على معرفة طبيعة الحياة في عوالم قديمة كانت مجهولة لنا. هذا فضلاً عما قدمته في سد الثغرات التاريخية التي كانت تؤرق المؤرخين عند رسم صورة واضحة المعالم لتسلسل مراحل الحضارة، وتفسير الصلات الحضارية بين مختلف الحضارات القديمة، ومدى التأثير والتأثر بينها سلباً أو إيجاباً. لذلك يُعد إصدار «معجم مصطلحات التاريخ والآثار» إضافة متميزة، وإنجازاً كبيراً يُحسب لمجمع اللغة العربية في القاهرة. وتتمثل أهمية المعجم بالتالي: أولاً أنه لم يسبق أن قام مجمع اللغة العربية في القاهرة قبل الآن - بإصدار معجم لمصطلحات التاريخ والآثار، منذ إنشائه العام 1932 حتى الآن، ومن ثم فهو معجم علمي متخصص، غير مسبوق. ثانياً: لا يوجد - حتى الآن - معجم علمي لمصطلحات التاريخ والآثار، إلا بعض الإصدارات التي تحتوي على منتخبات لحوادث تاريخية، أو تراجم لشخصيات، أو وقائع مختارة، أو بيانات ومعلومات إرشادية لمساعدة الزائرين للمناطق الأثرية. وكذلك لا توجد معاجم أجنبية متخصصة تحتوي على مصطلحات تاريخية وأثرية لبلدان الوطن العربي ومنها مصر. ثالثاً: يصدر هذا المعجم في وقت تطورت فيه الدراسات والبحوث التاريخية والأثرية تطوراً كبيراً خلال الستين سنة الماضية، إلى درجة استخدام وسائل التقنية الحديثة في دراسة التاريخ والآثار، والاستعانة بعلوم اجتماعية وطبيعية متعددة. رابعاً: هذا المعجم - الذي يحتوي على أكثر من 2600 مصطلح في التاريخ - يجد فيه الباحثون والدارسون شروحاً علمية، وتوضيحات مهمة لمئات المصطلحات، الأمر الذي يساعد على تحقيق دور مجمع اللغة العربية في القاهرة في رسالة تعريب المصطلحات الأجنبية، لتيسير فهم المراجع الأجنبية التاريخية والأثرية، التي تزخر بهذه المصطلحات. وهي تعيننا على ملاحقة التقدم العلمي العالمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية، فضلاً عن العلوم التطبيقية، وتفسر وتشرح ما كان غامضاً من مئات المصطلحات التي نجدها في التراث التاريخي والأثري العربي. وفي مقدم المعجم يلفت عضو المجمع ومقرر لجنة التاريخ والآثار الدكتور حسنين محمد ربيع إلى أنه لم يصدر في مصر أو خارجها معجم علمي لمصطلحات التاريخ والآثار، سوى بعض الإصدارات التي تعنى ببعض الحوادث التاريخية المهمة، أو التعريف بالأماكن والمدن والبقاع، أو تراجم لمشاهير الملوك والحكام، وشوامخ العلماء والأدباء والشعراء والفنانين، أو معلومات إرشادية لزائري المناطق الأثرية. وعن بداية العمل في المعجم يشير ربيع إلى أن هيئة المكتب في المجمع وافقت على اقتراحه إصدار ذلك المعجم، قبل عشر سنين وهو يحتوي على أكثر من 2600 مصطلح، ويمثل حصاد جهد اللجنة من العام 1969 حتى العام 2009. وكثير من المصطلحات مأخوذ من اللغات غير العربية، منها: اليونانية واللاتينية والفارسية والتركية والمغولية والعبرية والألمانية والفرنسية والإنكليزية والروسية. ويشار إلى أن مصطلحات المعجم وألفاظه من الأدوات المهمة للباحثين في تاريخ العالم الإسلامي وآثاره، وللمشتغلين في تحقيق كتب التراث العربي، وفي الإعلام، وفي بحوث المؤسسات العلمية والتعليمية ودراساتها. وهي تعد مفاتيح لما يستغلق فهمه من التنظيمات الإدارية والسياسية والحربية والاقتصادية، فضلاً عن الحياة الاجتماعية والثقافية.