انه خير الدين بن محمود بن محمد علي بن فارس الزرقي (الأرزقي) المعروف بالزركلي ولد في بيروت من أبوين دمشقيين في 7/7/1893 ومع وفاة والده أبقى له ثروة، فرعته أمه وكان محباً للقراءة ودرس في دمشق دراسة نظامية في المدرسة العثمانية وعمل فيها مدرساً للإنشاء والأدب العربي ثم غادر مع والدته وأخواته إلى بيروت وفيها تعلم في كلية العباسية والكلية العلمانية الفرنسية (لايك) وبدأ ينشر في صحف بيروت. أظهر عداء للفرنسيين ودعا إلى مقاومتهم وترك دمشق بعد أن دخلها الفرنسيون عام 1920 وحكموا عليه بالإعدام وقصد فلسطين فمصر فالحجاز فشرق الأردن ثم عاد إلى مصر عام 1923 وانصرف إلى العمل الثقافي بعد أن يئس من السياسة وأنشأ في القاهرة المطبعة العربية وطبع فيها بعض أعماله ثم باعها لأمين سعيد عام 1928 وظل في مصر حتى 1930 ثم كانت إقامته الثانية في الفترة من 1934 – 1957 وقبلها من 1930 – 1934 أقام بفلسطين حيث ألهب الناس بقصائده وخطبه وقال على أثر موقعة ميسلون قصيدته المشهورة (الفاجعة) ومطلعها الله للحدثان كيف تكيد / بردى يفيض وقاسيون يميد وكان الزركلي أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي الذي عقد في المسجد الأقصى عام 1931 للبحث في قضية فلسطين، أيضاًَ كان عضواً ومشاركاً في المؤتمر القومي العربي الذي عقد في بيت عوني عبدالهادي بعد المؤتمر الإسلامي ووضعوا ميثاقاً قومياً، ومعروف أن الزركلي شاعر أصيل تعلق بعمود الشعر العربي والتزمه وصاغ من الموشحات على منوال الشعراء الأندلسيين وكان شعره صاعقة تنزل على المستعمرين ويوقظ الشعب من سباته ويدفعه إلى الثورة. وبينما كان الزركلي أوائل 1976 يجمع قصائده ويرتبها لتطبع في ديوان أرهق وأغمي عليه فنقل الى المستشفى في بيروت وأسترد عافيته وذهب إلى دمشق ثم عاد الى القاهرة مع بناته فدخل المستشفى ثانية ووافته المنية بأزمة قلبية يوم الخميس 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 1976 وصلى عليه في مسجد عمر مكرم ودفن في القاهرة. ولمكانته العلمية اختير عضواً في المجمع العلمي العربي في دمشق في 1930 ومجمع الخالدين في القاهرة عام 1946 والمجمع العلمي العراقي عام 1960، وكانت له خزنتا كتب كبيرتان واحدة في القاهرة والأخرى في بيروت والأولى أهداها الى جامعة الملك سعود أما الثانية فقد بيعت لجامعة الإمام محمد بن سعود. ونشر مقالات وقصائد في صحف ودوريات عديدة منها: «لسان الشرق» و «المقتبس» و «العصر الجديد» و «مجمع دمشق» و «الحديث في سورية» و «المفيد» و «الإصلاح» و «أبابيل» و «العثماني» في لبنان و «المؤيد» و «المقتطف» المصريتان بالإضافة إلى الصحف التي أصدرها أو شارك في إصدارها. وللزركلي مؤلفات منها: كتاب «شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز». وقد أعد الزركلي هذا الكتاب عام 1950 باسم «السجل الذهبي» أو أبن «سعود منشئ دولة» احتفالاً بذكرى خمسين عاماً على استرجاع الملك عبدالعزيز مدينة الرياض ثم بعد وفاة الملك عبدالعزيز 1953 نظر مترجمنا ثانية الى الكتاب وأضاف فصولاً اقتضاها سياق الحديث وحول اسمه إلى «الملك عبدالعزيز في ذمة التاريخ» فكانت تسميته الثالثة. ثم ارتأى أن يسميه «شبه الجزيرة» فكانت تسميته الرابعة. ولإتمام عملة منح أجازة غير محددة من عمله في وزارة الخارجية السعودية، وله أيضا كتاب «الأعلام» أشهر كتاب في التراجم جمع فيه الزركلي نحو 15 ألف ترجمة من العصر الجاهلي حتى 1975، وطريقته في ترتيب التراجم أن يرتبها ترتيب المعجم وعندما يذكر العلم يذكره بشهرته أو لقبه في بابه من حروف المعجم. وطبع الأعلام للمرة الأولى في القاهرة 1927 – 1928 في 3 أجزاء في كل صفحة عمودان ثم طبع ثانية في القاهرة خلال 1954 – 1959 مستوفى بصور النصوص والأشخاص في عشرة مجلدات العاشر منها استدراك وتصحيح ثم أعيد طبعه في 12 مجلداً عام 1969. وظل يطبع مرات ومرات حتى وصل للطبعة ال 14 عام 1999. - وعاش الزركلي في عمان عامين 1921 – 1922 وعمل في حكومة شرق الأردن مفتشاً، فرئيساً لديوان رئاسة الحكومة، وكان نتيجة ذلك كتابه «عامان في عمان» الذي هو سجل لبعض الحوادث التي وقعت في شرق الأردن مع إخبار الملك عبدالله بن الحسين مؤسس الأردن، ويعد أيضاً مذكراته في الأردن. ويعد كتاب «ما رأيت وما سمعت»، وهو رحلته الأولى الى الحجاز، وصفاً لما أصاب سورية بعد معركة ميسلون ودخول الفرنسيين دمشق، وتاريخاً للطائف وتاريخاً للشريف الحسين بن علي. ويضم «ديوان الزركلي» الذي طبع بعد موته 408 قصائد تتراوح بين المفرد والأربعين بيتاً أكثرها في القضايا الوطنية. وغابت المرأة عن ديوانه إلا قليلاً، فحب الوطن أنساه كل حب آخر – وأهم ما يميز تاريخ الزركلي هو وجوده في المملكة العربية السعودية حيث أستقدمه الملك عبدالعزيز ليعمل لديه حوالى 18 عاماً منقطعاً لتمثيل المملكة في مصر فكان مستشاراً في الوكالة العربية السعودية التي أصبحت مفوضية وعين وزيراً مفوضاً ومندوباً دائماً للمملكة في جامعة الدول العربية في عام 1957 ثم عينه الملك سعود سفيراً للمملكة في المغرب عام 1957 حتى 1963 ثم دعي إلى الرياض مستشاراً لحكومتها وبقي من موظفي الخارجية إلى أن أحيل الى التقاعد في 14/5/1973، وتعد صحيفة «أم القرى» أول صحيفة رسمية صدرت في عهد الملك عبدالعزيز وضمت العديد من أخبار الزركلي بخاصة تقلده المناصب الديبلوماسية، كما كانت صلته بالملك جيدة، فقد استقرت حياة الزركلي في عهده وقد رافق الملك عندما قدم الى منطقة البحيرات المرة ومصر في عام 1945 لمقابلة تشرشل. أما حضور الملك المؤسس في الشعر الزركلي فقد كان كبيراً وخصه بأربع قصائد. ولم يخص أحداً في شعره مثلما خص المؤسس ثم يأتي بعده الملك فيصل الذي خصه بقصيدتين. وكان الزركلي على صلة وثيقة به وكان فيصل يبادله الإعجاب. وتوطدت الصلة بينهما خلال عمل الزركلي في السلك الديبلوماسي اذ كان مرتبطاً بوزير خارجيته – آنذاك – الملك فيصل، وعندما طبع كتاب «شبة الجزيرة» للمرة الثانية بعد استشهاد فيصل جدد الإهداء له فكتب: «إلى روح فقيد العرب والمسلمين الشهيد الذي بكته كل عين وهلع لمصرعه كل قلب فيصل بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن...» وكتب في إحدى مفكراته عام 1974: «أقول من قصيدة أخاطب بها الملك فيصل: تدفق النيل من أعلى روافده ... فهل يكون لنجد مثله نيل؟