نجح «الموهوب» السعودي الدكتور خالد اليحيا، في الفوز بإحدى الجوائز الست التي يمنحها مؤتمر «وايز» لمشاريع ومبادرات تخدم التعليم بطرق حديثة ومبتكرة، مؤكداً أن هذا المؤتمر «حقق ريادة فريدة رغم عمره القصير». وبين اليحيا في حديث إلى «الحياة» أن مبادرته التي استطاع من خلالها الفوز بجائزة المؤتمر، تتركز على «إنشاء صناعة تستهلك المعرفة وتبرع في إنتاجها من خلال تصميم البرامج الإبداعية للطلاب والمعلمين». ولفت إلى الصورة النمطية عن الطلاب السعوديين «بأنهم يحبون الكسل وينفرون من التعلّم، إلا أن طوابير الراغبين في الالتحاق بالبرنامج فاقت قدرة فصولنا»، وقال إن الموهبة السعودية «صناعة تتطلب بنية تحتية متكاملة من قنوات الإمداد إلى عمليات التهيئة والرعاية وانتهاء بقياس الأثر الاستراتيجي طويل الأمد. ومثل هذه الصناعة تتطلب نفساً طويلاً ولياقة عالية، لا تهتم بالضرورة بالإنجازات القصيرة الأمد أو تلك المحدودة التأثير». وشرح اليحيا بإسهاب مبادرته الفائزة كما تحدث عن العديد من الرؤى والطموحات والمبادرات الشبابية الفاعلة. وفي ما يأتي نص الحديث: حدثنا عن هذا الإنجاز وطبيعة هذا المشروع الذي استطعتم من خلاله الفوز بالجائزة. - الابتكار جزء من تكوين أرامكو السعودية، فالذي تجسد في المبادرة كان القدرة على إنشاء صناعة تستهلك المعرفة، وتبرع في إنتاجها من خلال تصميم برامج إبداعية للطلاب والمعلمين يتم من خلالها مزج العلوم والفنون والاحتفاء بنخبة متميزة ومخلصة من شباب الوطن تضم كوادر من المدرّبين ومدراء المشاريع وروّاد الأعمال الذين تكوّنت لديهم قدرات التواصل مع المؤسسات العالمية والحديث بلساننا عن حاجاتنا –بشكل خاص- والتحديات التي تواجه البشرية اليوم –بشكل عام-. تنقسم المبادرة إلى قسمين: قسم الإلهام نحو حب المعارف والعلوم وبناء الشخصية والذي يستهدف الشرائح الواسعة من المجتمع، وقسم الإثراء الذي لا يقتصر على الحجم الكمي، وإنما يعطي المبادرة بعداً نوعياً عبر تخصيص برامج تركز على صناعة قيادة شبابية علمية وثقافية تحفز لروح العطاء وخدمة المجتمع والشعور بالانتماء. فبرنامج أتألق، والذي ننفذه بالشراكة مع شركة تطوير التعليم، يشكل نموذجاً للإلهام. فقد صمم في صورة مختبرات علمية متنقلة حديثة بالتعاون مع قاعة لورنس للعلوم بجامعة كاليفورنيا- بيركلي. والأهم من المختبرات المحسوسة الفائقة الإبهار، كان الاستثمار في تطوير الكادر البشري الذي يجوب المدارس ليقدم ورش عمل مدتها عشرون ساعة على مدار خمسة أيام، يفرغ فيها كل طالب لمدة أربع ساعات يوميا للالتحاق بدورة واحدة، ليستلم شهادته بنهاية البرنامج في حفل بهيج. ورغم أن الصورة النمطية عن شبابنا وفتياتنا أنهم يحبون الكسل وينفرون عن التعلّم، فاقت طوابير الراغبين في الالتحاق بالبرنامج قدرة فصولنا. حتى اليوم تم تقديم البرنامج لأكثر من عشرة آلاف طالب وطالبة، وسيمتد البرنامج ليغطي ما يزيد على خمسين ألف شاب وفتاة في مختلف مدن المملكة بنهاية العام المقبل بمعدل ألف طالب وطالبة أسبوعياً. لماذا شاركتم في هذا المؤتمر وكيف تنظر إلى أهميته؟ - مؤتمر «وايز» حقق ريادة فريدة رغم عمره القصير نسبياً وأصبحت بوصلة التعليم تتجه إليه تلقائياً بصفته واحداً من أهم الملتقيات لصنّاع التوجّهات المعرفية. فبنظرة لجهاته العاملة والتنوع المعرفي للخبرات التحكيمية نجد أن مؤسسة قطر الخيرية قد استطاعت أن تصنع مجتمعاً تمتزج فيه المبادرات التطوعية النوعية بالاستثمار -البعيد المدى- في التعليم. وفي ظل التحديات التنموية الكبرى لم يعد اجتماع المهتمين برفعة شأن المعارف ترفاً بالقدر الذي أصبح ضرورة قادرة على خلق نافذة تستشرف المستقبل وتخطط له منهجياً. - تترأس البرامج التعليمية بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، حدثنا عن دور المركز وطبيعة البرامج التعليمية، وخصوصاً أنك تدير مبادرة أرامكو السعودية لإثراء الشباب التي تستهدف الوصول إلى مليوني شباب وفتاة. يأتي مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي كرائعة معمارية تمثل درة التاج في جهود أرامكو السعودية والتزامها بمسؤوليتها الوطنية. فمن الموقع ذاته الذي تفجر فيه أول ينبوع للنفط في المملكة العربية السعودية قبل ثمانين سنة، يأتي المركز اليوم ليشكل ينبوعاً معرفياً: إيماناً من أرامكو السعودية بأن الاستثمار الأغلى هو الاستثمار في الإنسان، لتبقى شعلة هذه الأرض أبدية الاتقاد. يبدو المركز كمجموعة من الحجارة المتراصة، مستلهماً أن «من الحجارة لمّا يتفجر منها الأنهار»، إذ ينبجس نهر المعرفة من ثنايا تلك الصخور. المكتبة الكبرى، مركز الابتكار، المتاحف المبهرة، معرض التاريخ الطبيعي، واحة الصغار التي تعد أول متحف للطفل في العالم العربي، قاعة الفنون، وطبعاً برج المعرفة حيث ينظم المركز أكثر من ألفي برنامج تعليمي في السنة. مع أننا نتوق إلى ذلك اليوم الذي يشرع فيه المركز أبوابه، إلا أن فعالياته لن تنتظر، من هنا جاءت مبادرة إثراء الشباب التي أعلن عنها رئيس الشركة المهندس خالد الفالح ويحتضنها المركز. وتستهدف إلهام مليوني شاب وفتاة وإثراءهم بحلول عام 2020. وتسعى المبادرة نحو نشر المعرفة العلمية وغرس حب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) وتحصيل المعارف، بالإضافة إلى مهارات القيادة والتفكير الإبداعي وتشجيع التذوق الفني والثقافي بحيث يتحقق التوازن بين الملكات العقلية والوجدانية في تنمية أجيال المستقبل. ماهو برنامج إثراء؟ وكيف يمكن تفعيله بصورة واقعية؟ - هو برنامج أعلن عنه رئيس شركة أرامكو السعودية المهندس خالد الفالح ويتمثل ببرنامج أكتشف العلمي الذي قدم سلسلة من الملتقيات العلمية المتخصصة في العلوم والرياضيات صممت بعناية بالتعاون مع شراكات عالمية. استهدف البرنامج – في مرحلته الأولى - تقديم ربع مليون ساعة إثرائية يستفيد منها 2000 طالب وطالبة و1000 معلم ومعلمة في خمس مدن (حائل، ينبع، جدة، جازان، الأحساء). ونواة هذا البرنامج تمثلت في رواد العلوم والرياضيات، والذين تم ترشيحهم وانتقاؤهم، ومن ثم تفريغهم من وزارة التربية والتعليم، لتلقي دورات مكثفة على المناهج العلمية التي تم تصميمها خصيصاً لبرنامج أكتشف، بالإضافة إلى العديد من البرامج الإثرائية مثل التفكير بالتصميم، التصوير الإبداعي وغيرها. صمم البرنامج بحيث يحضر الشاب والفتاة البرنامج لمدة عشرة أيام من السابعة صباحاً وحتى السابعة مساء، وقد كان هناك الكثير من المشككين في مدى إمكانية تحمل طلابنا لمثل هذا العبء، لكن كان لدينا إيمان بقدرات شبابنا، وكانوا كعادتهم على مستوى الطموح، لدرجة أن الكل -وليس البعض- كان يريد البقاء أكثر. كما نظمنا مهرجان القراءة (أقرأ) في مرحلته التجريبية والذي سينمو ليكون مهرجاناً وطنياً يثري الشغف بالقراءة والاحتفاء بالكتاب، وقد نظمنا ضمن فعاليات «أقرأ» معرضاً فوتوغرافياً شارك في مسابقاته أكثر من خمسمائة فنان، بالإضافة لإنتاج فيلم «كتاب الرمال» الذي أخرجه المخرج السعودي بدر الحمود ليعرض ضمن فعاليات المهرجان. هل أبرمتم اتفاقات معينة لتفعيل هذه البرامج؟ - لعلمنا أن التخاطب مع النشء يقتضي تعديد سبل التواصل، لم نغفل عن وجودنا الإلكتروني الذكي، فقد تم التعاون مع طاقم فريق «مسامير» لإنتاج سلسلة علمية كرتونية تبث عبر قنوات اليوتيوب تحت اسم «سنبر» والتي لاقت إقبالاً تخطى توقعاتنا، إذ فاق مجموع المشاهدات أربعة ملايين رغم العمر القصير. وسندشن قريباً سلسلة من الألعاب التعليمية ستكون بوابتنا لنحتضن أكبر مكتبة تعليمية إبداعية عربية تقدم ما يزيد عن ألف لعبة قصيرة. ويسعدني هنا أن أشير إلى أننا نضع اللمسات النهائية لثمرة التعاون بين مجموعة «إم بي سي» ومبادرة إثراء الشباب لإنتاج برنامج شبابي سيكون الأول من نوعه في العالم العربي في مادته التي تجمع بين المعرفة والترفيه وسيبدأ بثه بنهاية الشهر المقبل. وإيماناً من مجموعة «إم بي سي» بمضمون رسالة مبادرة إثراء الشباب، حجزت مشكورة واحداً من أهم المواعيد تأثيراً في جدولها الأسبوعي لعرض هذا البرنامج الواعد. المبادرة تسعى إلى دعم جهود المملكة في التحول نحو مجتمع معرفي، ما أبرز العقبات التي تواجهكم حالياً في الانتقال إلى المجتمع المعرفي بصورة واضحة؟ - أعتقد أن العقبة الكبرى تتمثل في الانشغال بالوسائل عن النتائج. إن هدف الانتقال إلى المجتمع المعرفي لا ينبغي أن يكون لحجز مكان في سباق الأمم، ولا لاعتلاء المنصات العالمية. إن الهدف –في نظري على الأقل- ينبغي أن يوجه كي ينسجم الإنسان مع بيئته وأن يعرف كيف جاء عالمنا كله وأين مكاننا بالضبط من شجرة المعرفة. إن إعادة استنساخ أي تجربة لن تقود بالضرورة إلى نتائج ذاتها، لأن عملية الاستنساخ تحوّلنا إلى كيانٍ سلبي، مهموم بابتلاع المعلومات، لا نقدها، مشغول بالبحث عن النتائج الصحيحة بدلاً من أن ينشغل بالتنقيب عن الأسئلة الصحيحة. في المقابل –وهذه العقبة الكبرى- نجد أن أفكارنا ليست مدعومةً برؤيةٍ تاريخيةٍ، تنظر للعالم ككل، وتساهم في معرفة جذورنا، فجذورنا ليست مصادر أنسابنا فقط، أو ما تجشمه أجدادنا فقط، وإنما في مصادر أفكارنا أيضاً وخفايا إيماننا بها، أن ندرك أخلاقياتنا ورؤانا للجمال، وأن نتساءل من أين جاء عالمنا كله، وهذا الفراغ هو بالذات ما نسعى لملئه في مبادرة إثراء الشباب. كيف ترى واقع الموهبة السعودية؟ وكيف يمكن اكتشافها؟ وهل ساهم التعليم التقليدي في تغييبها؟ - الموهبة صناعة تتطلب بنية تحتية متكاملة من قنوات الإمداد إلى عمليات التهيئة والرعاية وانتهاء بقياس الأثر الاستراتيجي الطويل الأمد. ومثل هذه الصناعة تتطلب نفساً طويلاً ولياقة عالية، لا تهتم بالضرورة بالإنجازات القصيرة الأمد أو تلك المحدودة التأثير. وشخصياً أرى أن مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهبة والإبداع تشكل بداية حقيقية لتأسيس دور فاعل في اكتشاف المواهب والعمل بلا كلل لتسليط الضوء على إمكاناتها وتهيئتها للتحديات التي تواجه البشرية اليوم. قد أكون متفائلاً أكثر مما يتحمله النَّفَس السلبي الرائج، لكني مقتنع تماماً بأن البذور التي ينثرها المخلصون ستؤتي أكُلها ولو بعد حين. تعاونتم مع جامعة كاليفورنيا في تصميم برنامج أكتشف للترويج للفكر النقدي والإبداعي وتعزيز مهارات الابتكار، لماذا لجأتم إلى الجامعات الغربية؟ وهل الجامعات المحلية غير قادرة على صناعة مثل هذه البرامج؟ - السؤال يحاول وضع الجامعات الغربية في كفة في مقابل الجامعات المحلية، وهذا قد يبدو اختزالاً، فنحن ننطلق من جودة المنتج أولاً الذي ينسجم مع تطلعاتنا، وجامعة كاليفورنيا- بيركلي لها خبرة عريقة في مجال إشاعة المعرفة العلمية تمتد أكثر من خمسين سنة، وقاعة لورنس للعلوم سميت بهذا الاسم تخليداً لذكرى إرنست لورنس الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1939. ومنذ إطلالة القرن الحادي والعشرين حاز عشرون من علمائها على جوائز نوبل في التخصصات المختلفة، ما يجعلها تقف على قمة جبل الريادة العلمية. وهدفنا من دفع شبابنا وفتياتنا لرؤية هذه المؤسسات في مراحل مبكرة من حياتهم عمرية أن نأخذهم إلى حدود المعرفة والتساؤلات التي تواجه الإنسانية اليوم على أمل أن تدفعهم للبدء من حيث انتهى الآخرون. كيف ترى واقع التعليم المحلي؟ وما هي أهم الرؤى لتحويله إلى تعليم معرفي يساهم في تشجيع الطلاب على الإبداع والتجديد؟ - نحن ملزمون بالاستماع للشباب والفتيات وموائمة توجهاتنا مع تطلعاتهم من خلال الإيمان بهم وبقدراتهم، لا أن نفترض أن الطلاب كالقوارير الفارغة التي تنتظر عملية «تعبئة»، أو هم مجرد هلام إسفنجي لا يتقن شيئاً غير الامتصاص. الاعتقاد السائد أن الطلاب بحاجة للمعلومات فقط قد لا يبدو بالضرورة اعتقاداً صحياً، فالتعليم ليس خزناً للمعلومات فحسب، المعرفة عبارة عن معلومات منتظمة، يطوقها إطار، ويوحدها هدف، ويدافع المرء عنها بالحجج، ويصنع بها الأسئلة، وتقوده لاستكشاف المزيد منها من أجل أن «يفهم» شيئاً يخص هذا الكون. عندما يحوز المرء المعرفة يعلم كيف يستخدم المعلومات، وكيف يربطها بواقعه وضميره، والأهم من ذلك، أنه سيدرك طبيعة المعلومات التي لا تمتّ له بصلة. إن الحاجة قد صارت ماسّة لنوع من التحفيز العقلي الذي يستحث الطلاب لاكتشاف كم عدد المرات التي استمرأ فيها البشر العيش في ظل المعلومات الخاطئة، وكيف أن هؤلاء البشر ظلوا يدافعون عن معلوماتهم تلك بحماسة دوغمائية تصل لحد العنف أحياناً، وكم -وهذا الأهم- كان صعباً على النفوس القبول بالتغيير والتصحيح. أحسب أن هذا أقل ما نقترحه إذا كنا نطمح إلى جيلٍ لا تأسره الدهشة، ولا يرتبك أمام ألغاز الحضارة، ولا يتوقف عند التفرج على هدايا العالم الأول، ولا يقنعه سوى أن يلقي بنفسه في أتون الحراك الحضاري لكي يستخدم العلم والتكنولوجيا لا لكي يكون مجرد زبون دائم لمنتجاتهما.