خلف ذاك الصوت الرخيم وهزات الخصر الفريدة التي يقلّدها الصغار والكبار حول العالم، وتلك الشخصية القوية الشهيرة، قلب صغير يرقّ للضعيف والفقير والمهمّش. وخلف تلك الدقات المتسارعة التي شعرت بها شاكيرا المغنية الكولومبية من أصول لبنانية، وهي في الثامنة من عمرها، عندما رأت عشرات الأطفال حفاة متروكين في الطرق حين مرّت في أحد أكثر الأحياء فقراً في بوغوتا، ذاكرة تحفظ طعم الفقر المذلّ ورائحته البغيضة. ووراء هذه الذاكرة الحيّة، رأس مدبّر خطّط لتبديد تلك المشاهد. فأرادت شاكيرا أن تستثمر فنها كممثلة ومغنية (في العام 1997)، في تعليم الأطفال المهمشين من خلال إنشاء مؤسسة «حفاة الأقدام»، وهو أيضاً عنوان أغنية لها. ومنذ البدء في التخطيط لهذا العمل، اعتمدت شاكيرا مبدأً ذكياً وهو أن افتتاح المدارس ليس كافياً للقيام بمهمة تعليم المشردين والفقراء وتخريجهم في الجامعات وتمكينهم في المجتمع، بل إن العمل يجب أن يكون، وفق شاكيرا، متوازياً بين التعليم الأكاديمي وتأمين محيط اجتماعي جيدّ يعيش فيه الطفل، إضافة الى تأمين طعام صحي يضمن له الغذاء الضروري لتنمية قدراته. تساعد هذه المؤسسة اليوم 6 آلاف طفل في كولومبيا والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وهايتي، وخرّجت 30 ألف جامعي. قد تفاجأ عندما تبحث في الموقع الالكتروني ل «حفاة الأقدام» من المهنية العالية لهذه المؤسسة، ومن الجهود التي تبذلها «سيّدة» الغناء اللاتيني وفريقها. وتتمنى لو يحظى العالم العربي بفنانين مثلها يخدمون، بمثابرة واستمرار، قضايا العدالة الاجتماعية والتنمية وتبديد الأمية التي ما زالت أعدادها مرتفعة في بلادنا، بدل الغرق في حمّى الاستهلاك وشراء الأزياء والمجوهرات الباهظة الثمن والثرثرة. عن مؤسسة «حفاة الأقدام» ونشأتها وتقاطعها مع أهداف مبادرة «وايز» العالمية التي أنشأتها «مؤسسة قطر»، تتحدث شاكيرا التي ستشارك في مؤتمر القمة العالمي للابتكار عبر شهادة مصوّرة، إلى «الحياة». تقاطع أهداف مؤسستك «حفاة الأقدام» (Fundación Pies Descalzos) التي أنشأتِها في العام 1997 مع أهداف مؤتمر القمة العالمي للابتكار «وايز». كيف تقوّمين هذه المبادرة التي أطلقتها «مؤسسة قطر» في العام 2009؟ - تتماشى مبادرة «وايز» إلى حد كبير مع مهمة «حفاة الأقدام» بجعلها التعليم أولوية من حيث تحقيق المساواة. واللافت أن إقدامها على توفير مبادرات عالمية مكرسة للتعليم، والعلوم، والبحوث، وتطوير المجتمع يتماشى مع الفكرة القائلة إن اقتصاد المعرفة سيصنع الفرق. تُعتبر جائزة «وايز» للتعليم، التي أطلقتها الشيخة موزا بنت ناصر، رئيسة مجلس إدارة «مؤسسة قطر»، في العام 2011، أوّل جائزة من نوعها تقيّم فرداً أو فريقاً على مساهمة بارزة وبمستوى عالمي في مجال التعليم. فما رأيك في منح جائزة «وايز» للتعليم 2013 لمواطنتك فيكي كولبرت، مؤسسة «فونداسيون إسكويلا نويفا»؟ - فيكي كولبرت عنصر فاعل جداً في عملية التغيير التربوي، وبفضل مؤسستها «المدرسة الجديدة»، تمكّنت من غرس التعليم في أقاصي كولومبيا وأريافها حيث لم يكن للأولاد أيّ فرصة لتحقيق الذات والنجاح. وهي تستحقّ تماماً جائزة «وايز»، لأنها كرّست حياتها لمنح أطفال الريف الكولومبي فرصاً تعليمية وتربوية هم في أمسّ الحاجة إليها. في العام 1997، أنشأتِ مؤسسة «حفاة الأقدام» لمساعدة الأطفال الفقراء في مجالي التعليم والصحة، وبهدف مدّ يد العون لعائلاتهم. لماذا اخترتِ هذا الاسم؟ - يعود اسم «حفاة الأقدام» إلى تجربة الطفولة التي مررت بها، والتي ألهمتني لإنشاء المؤسسة. فعندما كنت في الثامنة من عمري تقريباً، واجه أبي صعوبات في أعماله، وانتقلنا نزولاً من الطبقة المتوسطة المرفّهة إلى وضع أدنى من ذلك. وأراد والداي أن يجعلاني أُدرك حقيقة وضعنا، واصطحباني إلى حديقة قريبة من المنزل، حيث رأيت أولاداً حفاة يتنشقون الصمغ للتدفئة. لم أنسَ هذه الصورة يوماً، ووعدت نفسي بأن أبذل جهدي لمساعدة هؤلاء الأطفال ما إن تتسنّى لي الوسائل الضرورية للقيام بذلك، لأن الواقع المؤسف يُنبئ بأنّ من يولد فقيراً يموت فقيراً في كولومبيا، وفي دول نامية أخرى. على ماذا ترتكز استراتيجية ومبادئ هذه المؤسسة الخيرية الناجحة خصوصاً انك تعتقدين أن بناء المدارس وحده لا ينقذ الأطفال. - تسعى مؤسسة «حفاة الأقدام» إلى كسر دوامة الفقر، من خلال إبعاد الأطفال المحرومين من الطرق وإرسالهم إلى المدرسة، كي تسنح لهم فرص لتغيير مصيرهم، مع الإشارة إلى أن ضمان حصول الجميع على التعليم الجيّد هو الهدف الأسمى، لأن التعليم أثبت انه أداة رئيسة للقضاء على الفقر. ونحن نجمع الأموال، ونرفع الوعي، ونعتمد مقاربة تنطلق من النشء الجديد ونتعامل معه مباشرة، من هنا بنينا خمس مدارس حتى الآن، على أن نفتتح سادسة في شباط (فبراير) المقبل. وإلى جانب التعليم، نوفر برامج غذائية ونحوّل مدارسنا إلى مراكز اجتماعية. ولا يقتصر الهدف على استفادة التلاميذ وحدهم من المنافع، فنحن نريد أن يستفيد منها الأهالي أيضاً، والمجتمع المحلي برمّته، ونسعى لاستحداث بيئة تُهيّئ لدخول الأطفال إلى المدرسة وبقائهم فيها، ما يُثمر في نهاية المطاف وجود أفراد فاعلين أكثر في مجتمعهم على مدى أجيال قادمة. وهناك مثل شعبي لدينا يقول «إن تنشئة ولد تتطلّب قرية». أي على الجميع أن يعملوا في تطوير مستقبل أولادنا بغية منحهم الأدوات التي يحتاجون إليها بهدف تحقيق النجاح. ما سرّ نجاح «حفاة الأقدام»؟ وهل ساعدت شهرتك في نجاحها وتمويلها واستمراريتها؟ - أعتقد أن نجاح «حفاة الأقدام» يعتمد على وجود فريق عمل من المحترفين الملتزمين الذين يؤمنون فعلاً بالعمل الذي يقومون به. وأنا محظوظة لأن مسيرتي المهنية كفنانة وفّرت لي منبراً لإلقاء الضوء على هذه القضية ولفت الأنظار إلى المؤسسة، إلا أن جميع الأفراد العاملين على الأرض الذين يبذلون جهوداً يومية في هذه المدارس والمشاريع القائمة، هم الذين يضمنون نجاحنا. ولكم نشعر بالسعادة عندما نرى أولى ثمارنا أولاداً دخلوا مدارسنا في بداية البرنامج وقد صاروا الآن في مرحلة التعليم الجامعي، بعدما أصبح عمر المؤسسة 18 عاماً تقريباً. وقد تطوّرنا بقدر ما تطوّر هؤلاء الأولاد، وأؤكّد أنّ لا حدود للفخر الذي نشعر به. معروف أن أصعب المشكلات هو التمويل المستمر. ونعرف انك تموّلين جزءاً كبيراً ولكن، هذا لا يكفي لمؤسسة تُعنى بأكثر من 6 آلاف طفل حالياً وتؤمن فرص عمل لثلاثين ألفاً ممن تخرجوا في الجامعة؟ كيف تجدون التمويل اللازم؟ - هناك دوماً حاجة الى مزيد من التمويل، إلاّ أنّ مؤسستي نجحت، بفضل الخبرة والمنجزات التي حقّقتها، في الحصول على موارد من الشركات الخاصة، والمنظمات غير الحكومية، والمنظّمات المتعدّدة الأطراف والأفراد الذين ساعدونا على الوصول إلى أكثر من 30 ألف نسمة في المناطق التي نعمل فيها. عيّنت سفيرة للنيّات الحسنة في الأممالمتحدة، وعيّنك الرئيس باراك أوباما مستشارة للشؤون التربوية للسكان الأميركيين ذوي الأصول اللاتينية، وشاركت في قمم واجتماعات مع مؤسسات مثل البنك الدولي. ماذا حققت؟ - إنّ أكثر ما يشعرني بالامتنان، على صعيد اختياري لهذه المناصب ودعوتي للمشاركة في هذه المؤتمرات، هو الفرص التي منحتني إياها لنشر الكلمة و «تجنيد» حلفاء يفهمون أهدافنا، ويملكون الوسائل لمساعدتنا على تحقيق نتائج حقيقية وملموسة، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا من السياسيين القادرين على تحفيز التغيير في السياسة، أو قادة شركات قادرين على توفير تمويل أو حوافز نقدية. والقادة ليسوا الوحيدين الذين ساهموا في الجهود التي بذلناها، لننجح في مساعينا الهادفة إلى النفاذ المبكر إلى التعليم، فقد التقيت عدداً كبيراً من الناشطين من الناس الذين يصنعون الفرق كل يوم، مع العلم بأنّ دورهم بالغ الأهمية للقضية. كيف تجدين الوقت لكل أعمالك الخيرية، الى جانب الاهتمام بفنك وطفلك وشريكك؟ - شأني شأن كل الأمهات، لدي أدوار مختلفة أؤديها. ولن أقول إنه لا يصعب عليّ إيجاد طريقة لتقسيم وقتي، ولكن إذا كرّس المرء نفسه للقيام بأمور يحبّها بشغف، يتحوّل ما يفعله من مجرد أعمال إلى مصادر طاقة توفّر الرضا بحجم الجهود المبذولة في سبيلها. ما المشاريع التي تحضرون لها في «حفاة الأقدام»؟ مع من ستتعاونون ومن هم الداعمون؟ - يعمل مشروعنا الجديد على إنجاز مدرسة ضخمة جديدة في منطقة فقيرة جداً من قرطاجنة (Cartagena) في كولومبيا. وهي حصيلة جهود مشتركة بذلها عدد كبير من الأشخاص والمؤسسات، على غرار هاورد بافيت ووكالة «جيز»، و«فونداسيون سانتو دومينغو»، و«باسيفيك روبياليس»، و«إيكوبترول»، و«هارد روك كافيه»، وغيرها. تقولين إنه لا يجب الوقوف مكتوفي الايدي حيال 57 مليون طالب يتسربون من المدارس ويعيشون في مجتمعات مهمشة. ما الحل؟ - أعتقد أن الأهالي والمواطنين قادرون، على صعيد فردي، على إرساء أهمية التعليم في عقول أولادهم في وقت مبكر جداً، خلال السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل، قبل دخوله النظام المدرسي. ومن المهم منح الأولاد التحفيز المناسب، والغذاء، وتشجيعه في المنزل، للتأكد من أنه مع حلول موعد دخوله إلى النظام المدرسي، سيكون مستعدّاً للاستفادة تماماً من التعليم الذي يوشك على نيله. وعلى الصعيد المؤسسي والحكومي، يعني ذلك أنه علينا العمل في وقت واحد، على إطلاع الأهالي، لا سيّما ذوي الدخل المتدني، على الموارد المتوافرة قبل أن يدخل أولادهم الى الحضانة أو المدرسة التمهيدية. ومن المهم أن تتابع الدولة مجرى الأمور وأن توفّر هذه الموارد، إضافة الى توفير برامج تعليم عالية الجودة لمرحلة الطفولة المبكرة، بهدف منح هؤلاء الأولاد أفضل فرصة ممكنة للتعلّم ولتحقيق النجاح. كلمة أخيرة توجّهينها الى المجتمعين في قمّة «وايز» المنعقدة في الدوحة؟ - أولاً، أريد أن أشكركم جميعاً على حضور قمّة «وايز» للعام 2013. ويعني وجودكم فيها أنكم تفهمون فعلاً أهمية التعليم ومكانته في العالم، فضلاً عن مساهمته في وجود أفراد ناجحين يُثرون المجتمع. ولا شك في أن تفاني القادة أمثالكم كان ولا يزال حيوياً لإحراز التقدّم المتمثّل بتوفير التعليم العالي الجودة للجميع. وأتوق الى الاطلاع على مستجدات قمّة «وايز» وأتمنى أن يكون اجتماعكم هذا مثمراً ومنتجاً.