تخضع الخطة الأمنية الجديدة التي وضعتها قيادة الجيش اللبناني لمدينة طرابلس في شمال لبنان، وبوشر تنفيذها على مراحل بدءاً من ليل أول من أمس، لاختبار للتأكد من جديتها في وقف الجرح النازف في عاصمة الشمال، والذي دخل أسبوعه الثاني. وقال وزير طرابلسي ل «الحياة» ان الخطة «ان لم تفعل فعلها في تهدئة الوضع في مهلة أقصاها غداً الثلثاء فإننا سنكون أمام مشكلة أمنية – سياسية كبيرة تهدد المدينة». ويتعاطى أركان الدولة، على المستويات كافة، بتفاؤل حذر مع التدابير غير المسبوقة التي بدأ تنفيذها عصر أمس بالتوازي بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة مروراً بشارع سورية، ويتوقع أن تستكمل في الساعات المقبلة، والتي يفترض أن تكون استثنائية ولمرة واحدة، بعدما ثبت عدم جدوى الخطط السابقة التي وضعت للمدينة ولم تؤد الى انهاء خطوط التماس بين المنطقتين المتقاتلتين، ولا الى السيطرة بالكامل على الخط الساخن في شارع سورية الذي يبلغ طوله حوالى كيلومتر واحد وعرضه 20 متراً ويشكل الحد الفاصل بينهما، فيما تخشى مصادر رفيعة في قوى 14 آذار من أن يستمر القتال في المدينة امتداداً للحرب الدائرة في سورية ولصرف الأنظار عمّا سيؤول اليه التحقيق في متفجرتي مسجدي «التقوى» و «السلام» بعد توقيف عدد من المتهمين. وإذ تشدد المصادر على ضرورة وجود قرار سياسي يوقف التفلت المستمر حتى إشعار آخر بين باب التبانة وجبل محسن، فإن مصادر رسمية مسؤولة توقفت أمام الاتصالين اللذين أجراهما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بوزير العدل شكيب قرطباوي ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر وشدد في خلالهما على أهمية الإسراع في التحقيقات الجارية مع الموقوفين في حادثي تفجيري طرابلس وإحالة جميع المتورطين على القضاء المختص ومحاكمتهم. وتزامن اتصال ميقاتي، كما علمت «الحياة» من مصادر أمنية مسؤولة، مع تمكن الأجهزة الأمنية اللبنانية من توقيف شخص يشتبه بتسهيله فرار عدد من المشتبه فيهم في تفجيري «السلام» و «التقوى» الى داخل سورية، ومن بينهم أحمد مرعي المتهم بتفجير المسجد الأخير. كما تزامن هذا الاتصال مع صدور استنابات قضائية في حق 121 شخصاً يشتبه بأنهم وراء المعارك الدائرة بين باب التبانة وجبل محسن تطلب من الأجهزة الأمنية العمل لملاحقتهم وتوقيفهم وإحالتهم على القضاء للتحقيق معهم في التهم الموجهة اليهم. وكان ميقاتي انشغل طوال أمس في متابعة معالجة الوضع الأمني في طرابلس والعمل من أجل ترسيخ الهدوء فيها. وهو أجرى لهذه الغاية اتصالات شملت وزير الداخلية والبلديات مروان شربل وقادة الأجهزة الأمنية. وأبلغ ميقاتي «الحياة» ان لدى الأجهزة الأمنية أوامر واضحة وصريحة لإعادة الهدوء الى طرابلس وفرض الأمن فيها، وقال ان هذه الأوامر أعطيت لقادة الأجهزة الأمنية في الاجتماع الأخير الذي ترأسه رئيس الجمهورية ميشال سليمان «وقلنا لهم في حينها ان الغطاء السياسي متوافر للقوى الأمنية لفرض الأمن ومنع الإخلال به، تحت أية ذريعة كانت». وأضاف: «أكد لنا قادة الأجهزة الأمنية، وعلى رأسهم قائد الجيش العماد جان قهوجي، أنه سيصار الى استقدام تعزيزات جديدة الى طرابلس (وهذا ما بوشر به منذ ليل أول من أمس) على أن تباشر الوحدات العسكرية الانتشار فوراً والتمركز في النقاط الساخنة». وكشف ميقاتي ان قيادة الجيش وضعت خطة متكاملة في هذا الخصوص تقضي بفرض أكثر من طوق، ليس على طول خط التماس بين باب التبانة وجبل محسن فحسب، وإنما في عمقهما لمنع عودة الاقتتال، وأن الأوامر المعطاة تنص صراحة على التشدد في تنفيذ الإجراءات لمنع أي اخلال بالأمن. وقال ان الوضع الأمني أخذ يميل الى التحسن، لكن لا بد من السيطرة عليه على رغم انه يحتاج لبعض الوقت ولكن لن يكون طويلاً. ولفت أيضاً الى ان الوحدات العسكرية مسؤولة عن اعادة الهدوء الى هاتين المنطقتين وإلغاء خطوط التماس والعمل لفتح الطرقات بينما تتولى وحدات من قوى الأمن الداخلي معززة بدوريات من فرع المعلومات فيها الحفاظ على الأمن في الأحياء والشوارع الأخرى في المدينة وذلك بتسيير دوريات مؤللة وإقامة حواجز للتفتيش بغية توفير الحماية للخطة الأمنية. أما على صعيد ما أعلنه ميقاتي سابقاً من احتمال مشاركة لبنان في مؤتمر «جنيف – 2» فأكدت مصادر وزارية ل «الحياة» ان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في بيروت ديريك بلامبلي كان أبلغ ميقاتي وجود استعداد لدى الموفد العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي لزيارة بيروت، وعلى الأرجح وهو في طريقه الى دمشق، وأنه سيبلغه موعد وصوله قبل 24 ساعة. وقالت المصادر نفسها ان لبنان لن يستبق الإعلان عن موقفه النهائي من حضور المؤتمر قبل أن يتأكد من موعد انعقاده وشكله وجدول أعماله والدول المشاركة فيه، لأنه يفضل أن يكون الحضور مكتمل النصاب وليس بمن حضر انسجاماً مع سياسته المتبعة بالنأي بنفسه عن تداعيات الحرب الدائرة في سورية والوقوف على الحياد، مع انه يلح على طرح مسألة النازحين السوريين الى أراضيه والتي تشكل عبئاً على الدولة التي لا تستطيع تلبية حاجاتهم ما لم يؤمن لها الدعم المالي من الدول المانحة.