أثارت التغريدة التي كتبها الدكتور سعد البازعي قبل مدة في صفحته على «تويتر» العديد من الأسئلة حول مشاركات المملكة في معارض الكتب الدولية وفي الملتقيات الثقافية، ومن هذه الأسئلة: هل تقدم تلك المشاركات الثقافة السعودية وعناصرها المبدعة في الشكل الذي يعبر عن موقع المملكة في الحركة الثقافية والفكرية العربية والعالمية، بخاصة وأن هناك أسماء كثيرة من المملكة أضحى لها وجود فاعل ثقافياً وفكرياً خارج المملكة؟ وهل المشاركات السعودية في الخارج لا تكترث كثيراً بتقديم الثقافة، وما وصلت إليه من مستويات في النقد والأدب والفكر، وما يقدم هو ملامح فولكلورية أو شكلية، مثلما عبر الدكتور سعد البازعي في تغريدتة، حين قال: «زوار أجنحة المملكة سيجدون الكثير من الأعلام والقهوة العربية والصور والقليل من الفكر والثقافة والإبداع». وحول القضية نفسها أكد الدكتور سعد البازعي ل«الحياة» ما طرحه، وأضاف قائلاً: «لا شك لدي في أن وزارة التعليم العالي تبذل جهداً مضاعفاً لتقديم الكتاب السعودي للعالم في الشكل اللائق، لكن المسألة في تقديري تتجاوز قدرة وزارة أو جهة واحدة، فضلاً عن أن وزارة التعليم العالي جهة معنية في المقام الأول بالجامعات والابتعاث، أما معارض الكتب فليست من شأنها وينبغي أن توكل إلى غيرها». ولفت البازعي إلى أن وزارة الثقافة والإعلام قد تبدو الجهة الأنسب لهذه المهمة، مستدركاً أنه حتى وزارة الثقافة والإعلام «ستواجه مهمة صعبة في تقديم صورة رائعة للمنتج الثقافي المحلي، غير أن وزارة الثقافة أقرب إلى المؤسسات والأفراد الذين ينتجون الثقافة بمفهومها العام - أي غير الأكاديمي - ثم إنها جهة تقتني كتباً كثيرة مما ينتجه المثقفون السعوديون على اختلاف مشاربهم، وليس الأكاديميين وحسب. لذا أراها أكثر تأهيلاً لعرض منتج ثقافي منوع وأكثر تمثيلاً». وقال إن الوضع «لن يستقيم طالما افتقدنا إلى هيئة للكتاب ومجلس أعلى للثقافة يتوليان تنظيم ورعاية مثل هذه المناشط، وقد أقرّ مجلس الشورى إنشاء هذين المجلسين، ولم يتبق سوى موافقة مجلس الوزراء على قيامهما، لتوكل إليهما بعض المهمات الرئيسة المنوطة حالياً بالتعليم العالي ووكالة وزارة الثقافة للشؤون الثقافية». ويري رئيس نادي الباحة الأدبي حسن الزهراني أنه «من المؤسف حقاً أن تزخر المملكة بهذا الكم من العلماء والأدباء والمفكرين، ويحضر بعضهم على هامش ما كان يفترض أن يكون هو هامشاً في أيامنا الثقافية في دول العالم، وهذا يحتاج إلى وقفة واعية من وزارة الثقافة وإعادة نظر في اختيار القائمين على هذه الأيام التي تنقل صورة بلادنا ناقصة، وربما غير معبرة عن الحركة الثقافية والفكرية في المملكة». وأضاف الزهراني: «يجب أن يعاد التخطيط لهذه الأيام من جديد، وتشترك فيها كل جامعاتنا وأنديتنا الأدبية وجمعيات الثقافة وتعليمنا العام وغيرها من الجهات التي تضمّ القدرات الفريدة من أبناء هذا الوطن». وقال الشاعر أحمد قران الزهراني: «لعل ما أخّر حضور الثقافة السعودية في الساحة الثقافية العربية والعالمية بعض النماذج التي تمثل تلك الثقافة، والتي لا تعكس الوجه الحقيقي للثقافة السعودية. ولو أخذنا معارض الكتاب الدولية التي تشارك فيها المملكة لوجدنا أجنحة المملكة عبارة عن صور لبعض المعالم التنموية، وبعض الأعلام وصور الحرمين الشريفين». وأضاف أحمد قران: «في اعتقادي أن هذا تسطيح لمفهوم الثقافة وإضرار بالمستوى الثقافي السعودي»، مؤكداً أن الثقافة السعودية «ليست ثقافة طارئة، بل هي امتداد لتاريخ الثقافة العربية منذ القدم، لكن بعض المشاركين في الفعاليات الثقافية الخارجية لا يعون ذلك، وينطلقون من حداثة التجربة، وبالتالي يقع الضرر على ثقافة متجذرة تاريخياً ومواكبة للتطور الإنساني. الثقافة السعودية ليست شخوصاً ولا صوراً للمباني والمنشآت، وإنما إرث تاريخي ومنتج إنساني يعكس وعي المجتمع ومكانته، وبالتالي علينا أن نختار من يمثل هذه الثقافة، إن على المستوى الفكري أو القيمي». وأوضح الشاعر والإعلامي سعد الثقفي أنه «على رغم ما أعطانا الله من مال وإمكانات، إلا أن المركزية التي دائماً ما تفرض علينا أُناساً ليس لهم من خبرة في تسيير الأمور سوى وجودهم في منطقة صنع القرار. وهكذا تنسحب هذه المسألة على الثقافة عموماً، فلا خبرات هنا ولا استعانة بالخبرات تساعد صانع القرار - على المستوى الثقافي - في بناء استراتيجية جيدة للثقافة عموماً. كنت في معية مجموعة كبيرة من الذاهبين لإحدى الملتقيات الثقافية في الخارج، وفوجئت أن معظم الوفد من الفرق الشعبية، ولهم كل تقدير واحترام بالطبع، ولكن ثقافتهم تجعل دورهم ينتهي بمجرد انتهاء فقرتهم الشعبية، وهكذا لا تجد تمثيلاً خارجياً جيداً، فالمحسوبيات تفرض نفسها مع الأسف في بعض الوفود الثقافية، فلا تعرف كيف ذهب هذا أو ذاك إلا إذا فسرت الأمور بهذه المحسوبيات الممقوتة». وأضاف الثقفي: «إننا في حاجة ملحة لإعادة صياغة التمثيلات الخارجية للثقافة في بلادنا، لتعكس الوضع الحقيقي الذي وصلنا إليه، ففي بلد كبير مترامي الأطراف أنجب شعراء وقاصين وروائيين ونقاداً، يجب أن نجد صانع قرار يقرأ جيداً إمكانات الثقافة في بلاده، ويعيد صياغة التمثيلات الخارجية تماماً، فيفصل الثقافي عما هو غير ثقافي، ويجيّر الوقت الذي كان يحتاج إلى أن يغطيه سابقاً بالفقرات الشعبية بمشاركات حقيقية من الوسط الثقافي المتخم بالمثقفين، وأن تُعطى للمشاركات الشعبية وقتاً آخر لا يكون على حساب الثقافة الفاعلة، وهي الأخرى ثقافة شعبية لها أهميتها، ويجب أن تكون موجودة، ولكن عليها ألا تحتل واجهة المشاركات الخارجية وكأننا نتجمل ونتوسل بها لتغطية نقصنا الثقافي، وفي الحقيقة لا يوجد نقص ثقافي إلا في أدمغة النمطيين الذين اعتادوا على تسيير الأمور الثقافية بذهنية غير قابلة للتغير والتطور».