سماع مغني الأوبرا الأشهر في العالم الفرنسي من أصل إيطالي روبيرتو ألانيا، عبر أسطوانة أو من خلال شاشة التلفزيون شيء، وسماعه يُغني على المسرح كطير شادٍ يحمل في حنجرته رومانسية سيسيليا وتاريخ باريس، شيء آخر. هذا التينور الحالم النشيط المتنقل بين عاصمة وأخرى ليس ليغني ويكسب المال فقط، بل "ليرضي حشريته وشغفه في حب المعرفة ويكتشف أماكن جميلة وجمهور جديد وثقافات مختلفة" كما قال ل "الحياة" في مقابلة خاصة في بيروت، سيحلّ ضيفاً مميزاً على مهرجانات بيت الدين غداً الجمعة 8 تموز (يوليو) عند الثامنة والنصف مساء، قبل أن يغادر الى اسبانيا ثم الى كندا لإحياء حفلات هناك. ويؤكد ألانيا الذي سيدخل اسمه قاموس "لاروس" العام المقبل كأول فنان لا يزال على قيد الحياة، أن حفلة بيت الدين ستكون استثنائية لأن الأغاني التي سيقدمها والتي صدرت في ألبومه الأخير بعنوان "سيسيليان"، تحمل عبق وتراث الجزيرة الإيطالية التي يتحدّر منها والمتأثرة موسيقاها بالشرق، خصوصاً الحضارتين الفينيقية والقرطاجية. ويوضح أنه وأعضاء فرقته الموسيقية التي يعمل معها منذ 8 سنوات، "لم يتمرّنوا لتقديم هذه الحفلة لأن الموسيقى ستكون كلها ارتجالية والغناء أيضاً". ويلفت هنا الى أن الغناء في رأيه: "حوار بين الجمهور والفنان والطبيعة الصامتة من حولهما. عندما أعتلي المسرح أكون مستسلماً لذاتي ولرهبة المكان التاريخي من حولي كما أنني أستمدّ من جمهوري الطاقة التي سأغني بها، لذا أفضل الارتجال". وبرنامج السهرة اللبنانية غني إذ يضمّ 25 أغنية من ألبوم "سيسيليان" الذي استعاد فيه ألانيا كلاسيكيات الغناء الشعبي في جزيرة صقلية، في عودة رمزية إلى مسقط رأسه. ويقول: "هو ألبوم يعبّر عني وعن حنيني الى صقلية وسحرها، فعندما نكبر في السن وأنا اليوم في الثامنة والأربعين من عمري، نحنّ الى جذورنا". ويشرح أن هذه الأغنيات تتميّز بأنها سيسيلية الأصل عفوية تراثية فيها إيقاع وتسيطر فيها آلتا الفلوت والغيتار. وعلى عكس ما يعتقد البعض بأن جمهور الغناء الأوبرالي يقتصر على النخبة وبات يضمحلّ، يؤكد ألانيا الذي تنشر صحيفة "الحياة" نص الحوار معه كاملاً صباح السبت 9 تموز (يوليو)، أن هذا المجال الكلاسيكي المحض تضاعف جمهوره في السنوات الأخيرة، بفضل التطوّر التكنولوجي. ويشير الى أن الجمهور كان يعاني في السابق عندما يريد الحصول على أسطوانة لمغني أوبرا أو على أعمال كلاسيكية مهمة في هذا المجال، لا بل كانت وسائل الاعلام التقليدية لا تسعفه ليعرف أين سيُغني ذاك وأين ستُعرض تلك الأوبرا، أما الآن فكل شيء صار أسهل حتى أن أسعار البطاقات لمثل هذه الحفلات صارت بمتناول الجميع. ويقول: "بكبسة زر على الكومبيوتر يمكننا معرفة تاريخ الأوبرا وأربابها وتفاصيل حياتهم المهنية والشخصية، لا بل يمكننا أن نسمع أعمالهم كاملة". اعتلى ألانيا أكبر مسارح الأوبرا من «لا سكالا» في ميلان إلى «ميتروبوليتان» في نيويورك و«كوفنت غاردن» في بريطانيا، وها هو اليوم يزور لبنان للمرة الثانية بعد العام 2002 حين أحيا حفلة مميزة برفقة زوجته السوبرانو الرومانية أنجيلا غيورغيو، بدعوة من مهرجانات بعلبك. "أعشق لبنان لتنوّعه وجمال طبيعته، ففيه سحر يأثرني خصوصاً المناطق التاريخية مثل بيت الدين وبعلبك التي أحب الغناء فيها. أعشق جمهوره الذي أرى في عيونه شغفاً بالموسيقى والفن وحب الحياة. شعبه يقدّر الفن ويتذوّقه ويتمتّع بحرارة عاطفية وعائلية قلّما نجدها في بلدان أخرى. لذا أنا فخور أنني هنا اليوم، وسألبي الطلب كلما دُعيت الى هذا البلد الساحر والحالم".