القدس المحتلة - أ ف ب، رويترز - يستعد اللبنانيون لتجاذبات مطولة حول تشكيل الحكومة الجديدة مع معاودة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان إجراء استشارات نيابية ملزمة مع رؤساء الكتل النيابية تبدأ غداً وتستمر حتى مساء بعد غد الأربعاء لتسمية الرئيس المكلف تأليف الحكومة على خلفية اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيلها بعد انقضاء 73 يوماً على تسميته من دون ان يتوصل الى تفاهم مع اركان الأقلية في البرلمان على تشكيلة مقبولة من الجميع. وفي خطاب القاه غروب امس في إفطار لأهالي الشمال قال الحريري ان «رئيس الجمهورية سيجري استشارات الثلثاء لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، واود ان اكون واضحاً جداً في هذا الموضوع من يريد ان يسمي سعد الحريري فليفعل، ومن لا يريد ان يسميه سأتعامل معه كما تصرف معي بعدم تسميته» واضاف «يجب علينا ان لا نختبىء وراء اصابعنا بعد الان، فنحن جميعا موجودون في هذا البلد وعندها اقرر اذا كنت أقبل التكليف ام لا. لذلك على المناورين اذا ارادوا فعلا ان يشكلوا حكومة وحدة وطنية او حكومة ونقطة على السطر، عليهم ان يكونوا واضحين في كلامهم وفي ما سيقولونه عند رئيس الجمهورية ويقولون انهم يريدون فلانا او غيره. اذا كانوا لا يريدون سعد الحريري عليهم ان يتحلوا بالشجاعة ويقولوا من يريدون. اقول هذذا الكلام ليس من باب التحدي بل من باب الوضوح ولنكن جميعا شفافين ولا نتلطى وراء احد ونقول اننا نريد كذا وكذا. نحن انتخبنا رئيس المجلس النيابي بلا شروط تنفيساً لاجواء الاحتقان التي كانت سائدة لكنهم خالفوا العهد في انتخابات نائب رئيس المجلس». وتابع «ربحنا الانتخابات رغم كل تهويلاتهم وفزنا بالاكثرية وهذه امانة في اعناقنا سنحافظ عليها. من هذا المنطلق قدمت اعتذاري لان هناك من لا يريد حكومة بل يريد اضاعة الوقت، فبعد 73 يوما من المشاورات المتواصلة كنا نقول لهم دائما ان هناك بلداً يجب ان ينهض واذ بنا نكتشف ان المشكل ليس في لبنان. وبالأمس جاء من يقول لنا ان لدى الاكثرية تحالفات «مدري مع مين» ولكن مشكلتهم مع هذه الاكثرية انها متحالفة مع الشعب اللبناني وان كل انتقاداتهم للبنان أولا تؤكد ذلك». ومضى الحريري يقول «كنت قلت اني سأتصرف كرئيس للوزراء بعد تشكيل الحكومة، وانه اذا توجب علي في مكان ما ان أزور سورية سأقوم بهذه الزيارة وذلك لمصلحة لبنان اولا، اما ان يتصرف البعض ويحاول ان يقوم بعنتريات ويفرض امورا على الاكثرية فنحن نقول لهم منذ الان اننا لن نوافق على اي من الشروط التي سيفرضها الا اذا كانت منطقية وتصب فعلا في مصلحة الوحدة الوطنية التي ليست مجرد شعار وانما تضحيات نقدمها فاين هي تضحياتهم؟». وختم بالقول «كفى مناورات وتدخلات اذا كانوا يريدون حكومة باستطاعتنا ان نشكلها في غضون 48 ساعة ولا داعي للعناد من قبل احد وكلنا نعرف البلد وكيف تشكل الحكومات فيه، اما ان يتسلط فريق على آخر فهذا مرفوض في المبدأ. ان يدي لا زالت ممدودة بالشكل الذي يفيد البلد ولا يفيد الاحزاب او التيارات السياسية في التشكيلة». وتأتي الاستشارات النيابية لتعيد تظهير اسم الحريري كمرشح وحيد لتشكيل الحكومة متزامنة هذه المرة مع تزايد المخاوف من عودة التوتر الى الجنوب في ضوء ما حصل الجمعة الماضي جراء إطلاق جهة مجهولة الهوية صاروخين من نوع «غراد» من بلدة القليلة الواقعة في منطقة العمليات المشتركة للجيش اللبناني وقوات «يونيفيل» في جنوب الليطاني باتجاه الأراضي الفلسطينيةالمحتلة وقيام المدفعية الإسرائيلية برد فوري استهدف المكان الذي انطلق منه الصاروخان بأكثر من 16 قذيفة، ما استدعى تدخل قيادة القوات الدولية التي عملت على إعادة الهدوء الى المنطقة في أعقاب اتصالات أجرتها بالمسؤولين اللبنانيين في بيروت وبقيادة الجيش الإسرائيلي. وفي هذا السياق، تردد ان المخاوف الدولية والمحلية من عودة جهات مجهولة الى استخدام أرض الجنوب منصة لإطلاق الصواريخ السياسية تعود الى الشعور بأن التعقيدات التي تشهدها المنطقة يمكن ان تشكل، لجهات خارجية، حافزاً للدخول على خط الأزمات المتنقلة ما بين لبنان والخارج لتوجيه رسائل معينة، مع ان لا شيء مؤكداً حتى الساعة لكل ما أشيع عن ان جهة فلسطينية كانت وراء إطلاق الصاروخين وأن التحقيقات متواصلة لتحديد هويتهما، علماً ان بساتين القليلة تستخدم للمرة الثالثة منذ القرار الدولي 1701 لتوجيه الصواريخ الى فلسطينالمحتلة. وكان لافتاً، على صعيد إطلاق الصاروخين ورد الفعل الإسرائيلي الفوري على القليلة، الموقف الذي أعلنه امس رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو وحمّل فيه الحكومة اللبنانية «مسؤولية الخروق والعدوان من الأراضي اللبنانية ضد أراضينا»: مؤكداً في الوقت نفسه: «اننا ننظر الى إطلاق الصواريخ بخطورة بالغة ولن نقبل بأن نضبط أنفسنا أمام إطلاقها وبالإرهاب الموجه نحو مواطني إسرائيل». وتطرح التهديدات التي أطلقها نتانياهو ضد لبنان سؤالاً حول كيفية مواجهتها ومدى إمكان تحصين الوضع الداخلي من اجل التعامل معها بجدية من ناحية، ولمواجهة التحديات الناجمة عن التعقيدات المسيطرة على الوضعين الإقليمي والدولي من ناحية ثانية. وبالتالي هل يمكن التصدي لها في ظل استمرار تعثر تشكيل حكومة وحدة وطنية يرتب تداعيات يغلب عليها الحذر من تأزم الوضع، وبالتالي انكشافه على المستويين الأمني والسياسي بدلاً من تشديد الرقابة بمزيد من رص الصف الداخلي؟ لذلك، فإن معاودة الاستشارات النيابية لتكليف رئيس حكومة تأتي هذه المرة في ظل تصاعد وتيرة التوتر الخارجي خلافاً لتكليف الحريري في المرة الأولى الذي تلازم مع انفراج في العلاقات السعودية - السورية لم يعمر طويلاً مع انه كاد يوفر الأجواء الطبيعية لعملية التأليف لو ان التفاهم بين الرياض ودمشق سلك طريقه الطبيعي ولم يلق اعتراضاً، كما تقول مصادر في قوى 14 آذار ل «الحياة»، من إيران التي طرحت في السابق تساؤلات حول حدود هذا التفاهم في ظل الحوار السوري - الأميركي قبل ان يتراجع في الأسابيع الأخيرة. وعلى رغم ان كل التوقعات تشير الى ان الاستشارات النيابية ستصب في مصلحة الحريري كمرشح لتأليف الحكومة وعدم وجود منافس له، فإن مصادر مواكبة للتواصل القائم بين بعض الأطراف في الأكثرية، خصوصاً رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط من جهة وفي الأقلية ممثلة برئيس المجلس النيابي نبيه بري من جهة ثانية، لم تستبعد احتمال تأجيل المشاورات النيابية التي يجريها الرئيس المكلف مع الكتل النيابية الى ما بعد انقضاء عطلة عيد الفطر التي تبدأ في نهاية هذا الأسبوع. وتعزو المصادر السبب الى ان استشارات التكليف لن تحمل أي مفاجأة وأن هناك حاجة ماسة لإعطاء فرصة جديدة لدورة جديدة من الاتصالات تسبق مشاورات التأليف باعتبار ان الأجواء السياسية التي أملت على الحريري الاعتذار ما زالت قائمة، وأن المشكلة تتجاوز ما يسمى «عقدة» رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الى السؤال عما اذا كانت التعقيدات الخارجية تسمح بتحييد لبنان عنها باتجاه إطلاق يده في تشكيل حكومته من دون ان يعني ذلك خروج لبنان من التزاماته حيال القضية الفلسطينية، في إطار الصراع العربي - الإسرائيلي. وتحاول المصادر استكشاف ما كان أعلنه الحريري في أحد الإفطارات الرمضانية من ان لديه خيارات في شأن تأليف الحكومة لن يكشف عنها إلا في الوقت المناسب. إضافة الى انها تسأل عن موقفه من اعتماد الصيغة المتفق عليها كإطار عام لتوزيع الوزراء على اساس ان تتمثل قوى 14 آذار ب 15 وزيراً في مقابل 10 للأقلية و5 لرئيس الجمهورية. إلا ان الحريري يرفض التعليق سلباً أو إيجاباً على المحاولات الدؤوبة من جانب قيادات في الأقلية لمعرفة حقيقة موقفه ويكتفي بالتشديد على ضرورة قيام حكومة وحدة وطنية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية والتحديات الكبرى في المنطقة. وترى المصادر نفسها في إحجام الحريري عن الدخول في لعبة استدراج العروض السياسية رفضاً منه لكل أشكال الابتزاز والاستنزاف التي يحاول البعض في الأقلية ان يمارسها عليه سواء بتكليفه تشكيل الحكومة أم بالسعي الى توظيف التسهيلات من جانب واحد للحصول منه على تنازلات أقل ما يقال فيها انها تهدف الى إلغاء نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. وبكلام آخر، فإن تكريس الصيغة المتفق عليها بخصوص توزيع الوزراء لن تكون مشكلة بمقدار ما ان هذه الصيغة، بحسب المصادر المواكبة عينها، يجب ان تأتي تتويجاً لاتفاق شامل يوضع في سلة واحدة ويقود عملياً الى توفير المناخ الطبيعي لولادة حكومة الوحدة الوطنية. وتضيف المصادر ان الحريري لن يستدرج الى لعبة بعض الأطراف في الأقلية القائمة على سياسة خذ وطالب وإنما يتطلع هذه المرة الى التفاوض معها كفريق واحد خصوصاً انها في السابق استحصلت على ما تريد من دون ان تلزم نفسها المساعدة لإقناع عون بالتراجع عن بعض شروطه، تاركة للحريري ان يتدبّر امره وحده، إنما على قاعدة تبني الأقلية مطالب «الجنرال» وعدم استعدادها للمشاركة في الحكومة من دونه.