أمير المدينة يطلع على الجهود المبذولة في عمليات التسجيل العيني للعقارات    «الموارد»: السعودية خامس دول «العشرين» في انخفاض البطالة    الهيئة العامة للصناعات العسكرية تشارك في الملتقى البحري السعودي الدولي الثالث    تصفيات كأس العالم 2026: أخضر "باهت" يعود بخسارة قاسية من اندونيسيا    الأربعاء.. 3 مباريات من "مؤجلات" دوري يلو    نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالحرمين الشريفين    هوكشتاين متفائل من بيروت: هناك فرصة جدية لوقف النار    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي إلى 43972 شهيدًا    الجامعة العربية تعقد مؤتمرًا دوليًا بالأردن حول دور المجتمع الدولي في تعزيز حقوق الطفل الفلسطيني    أرامكو ورونغشنغ توقعان اتفاقية لتوسعة مصفاة ساسرف    مجلس الوزراء يوافق على الترتيبات التنظيمية لرئاسة الشؤون الدينية للحرمين وهيئة العناية بهما    محمد بن عبدالعزيز يطلع على جهود تعليم جازان لانطلاقة الفصل الدراسي الثاني    محافظ الخرج يكرم مركز التأهيل الشامل للإناث    أمير القصيم يستقبل سفير أوكرانيا    مجمع الملك فهد يطلق "خط الجليل" للمصاحف    الهويّة السعوديّة: ماضي ومستقبل    جامعة الملك سعود تحتفي باليوم العالمي للطلبة الدوليين    في اليوم ال1000 لحرب أوكرانيا.. روسيا إلى عقيدة نووية جديدة    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود مجلس الجمعيات الأهلية    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي المتنازل عن قاتل أخيه    مركز الملك سلمان للإغاثة ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة الأحد القادم    «السعودية للكهرباء» و«أكوا باور» و«كوريا للطاقة» توقع اتفاقية شراء الطاقة لمشروعي «رماح 1» و«النعيرية 1»    القبض على مواطن لترويجه 44 كيلوجراما من الحشيش في عسير    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2623.54 دولارًا للأوقية    سماء غائمة تتخللها سحب رعدية ممطرة على جازان وعسير والباحة    منتدى الرياض الاقتصادي يطلق حلولاً مبتكرة    «الجامعة العربية» تدعم إنشاء التحالف العالمي لمكافحة الفقر والجوع    دراسة: القراء يفضلون شعر «الذكاء» على قصائد شكسبير!    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية الأمريكي    «عكاظ» تكشف تفاصيل 16 سؤالاً لوزارة التعليم حول «الرخصة»    9,300 مستفيد من صندوق النفقة في عام    الأخضر «كعبه عالي» على الأحمر    رينارد في المؤتمر الصحفي: جاهزون لإندونيسيا وهدفنا النقاط    الأخضر يختتم استعداده لمواجهة منتخب إندونيسيا ضمن تصفيات كأس العالم    العتودي الحارس الأخير لفن الزيفه بجازان    اتهامات تلاحق كاتباً باستغلال معاناة مريضة ونشرها دون موافقتها    بعد سيلين ولوبيز وكاميلا.. العالمي هوبكنز يعزف في الرياض    الخليج يواجه الشباب البحريني في ربع نهائي "آسيوية اليد"    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1 %    إصابات الربو في الطفولة تهدد الذاكرة    مرحلة الردع المتصاعد    ChatGPT يهيمن على عالم الذكاء الاصطناعي    سعادة الآخرين كرم اجتماعي    الاختيار الواعي    صنعة بلا منفعة    بيع ساعة أثرية مقابل 2 مليون دولار    (إندونيسيا وشعبية تايسون وكلاي)    لبنان نحو السلام    رسالة عظيمة    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية بالمملكة ترتفع إلى مليار ريال    الجودة والتقنيات الحديثة في تحقيق رؤية المملكة 2030″    وزير الدفاع يلتقي حاكم ولاية إنديانا الأمريكية    المملكة ومكافحة مضادات الميكروبات !    الاكتناز    البرتقال مدخل لإنقاص الوزن    إطلاق كائنات فطرية بمتنزه الأحساء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجوع الأفريقي» يحلّ في أرض الشام
نشر في الحياة يوم 24 - 10 - 2013

«أطفال في سورية يقتاتون بالأعشاب وأوراق الشجر...»، تصدّر الخبر الموجع أخيراً الصفحات الأول لبعض الصحف البريطانية، في محاولة لوصف الوضع الكارثي للأطفال المحاصرين في ريف دمشق، وتزامناً مع صور مؤلمة عرضتها مختلف الشاشات لأطفال سوريين بوجوههم الشاحبة الهرمة، وأجسادهم الصغيرة النحيلة وعظامهم البارزة، وكأنها صور لأطفال أفارقة أذابهم الجوع في بلدان اجتاحها القحط والجفاف وحصد الملايين من الأرواح البريئة، فيما العالم يتفرج بأعصاب باردة!
كأطفال مجاعات ناميبيا وزمبابوي والصومال منذ سنين خلت، يبدو أطفال «معضمية الشام» اليوم، وكأن هذه البلدة لم تشبع قصفاً وتدميراً لتصارع منذ أكثر من تسعة أشهر حصاراً خانقاً... فلا ماء ولا كهرباء ولا خبز أو مواد غذائية... ولا أدوية. كأن القصد أن يترك من تبقى من أهلها فريسة موت بطيء وأن يخنق الحصار نبض الحياة في شرايينهم الجافة.
«أطفالنا عطشى وجائعون... يشربون مياه وسخة كي يرووا ظمأهم مع ما تحمله من أمراض. كثيرون منهم لا يأكلون سوى بعض الأعشاب البرية أو ثماراً مهترئة لفظتها الأشجار تحت وابل القنابل والرصاص»، يصف أحد الناشطين الحال هناك، متابعاً بأسى: «الخروج من المدينة ضرب من المستحيل، وإيصال الطعام أيضاً. فالبلدة أصبحت كالسجن تماماً، وهناك أكثر من ثلاثة آلاف طفل يعانون نقصاً حاداً في التغذية، خمسون منهم حالهم خطرة وبعضهم يحتضر فعلاً في المستشفى الميداني... يحني رأسه قليلاً كأنه يتأمل عمق المأساة». ويضيف: «حرم الحصار أولاد مدينتا من كل شيء... إلا الموت»!
العيش على... الفتات
أكدت منظمة «أنقذوا الأطفال» في تقريرها الأخير أن أكثر من 4 ملايين سوري يعانون جوعاً حقيقياً ولا يستطيعون توفير ما يكفيهم من طعام، أكثر من نصفهم من الأطفال، وكثيرون من هؤلاء أجبروا على العيش على مادة غذائية واحدة: العدس أو البرغل أو الخبز فقط، فيما واحد من كل 20 طفلاً في ريف دمشق يعاني سوء التغذية الشديد، وصُنف 14 في المئة منهم ضمن حقل سوء التغذية الحاد. وما يزيد الطين بلة، استحالة وصول منظمات الإغاثة إلى كثير من «مناطق الحاجات الملحة» في البلاد. ويلفت التقرير إلى أن السوريين المحاصرين في مناطق الصراع الساخنة، غير قادرين على إنتاج الحد الأدنى من الطعام أو حتى شراءه، فيما تشهد أسعار المواد الغذائية، وخصوصاً الأساسيات، منها زيادة كبيرة وصلت إلى أكثر من الضعف.
عائلات كاملة تقتات على بضعة أرغفة من الخبز طوال أيام، هي حبيسة الملاجئ أو أقبية الأبنية المهدمة. فكما يحاصرها القصف والتفجير، يحاصرها الجوع والعوز. عائلات فقدت فلذات أكبادها لأنها لم تستطع توفير الغذاء الذي يقيهم من الموت، وعائلات أخرى حاولت الهرب من هذا الجحيم، فكان مصيرها إما نيران القنص الغادرة أو الاعتقال على الحواجز المحيطة بالمدينة.
وبينما طالبت منظمات إنسانية دولية بفتح ممرات آمنة للدخول إلى المناطق المحاصرة وإيصال بعض المساعدات الحيوية، وجه ناشطون سوريون نداء لمنظمة «الصليب الأحمر الدولي» ب «التدخل العاجل» لإيصال مساعدات دوائية وغذائية ضرورية جداً يمكنها إنقاذ حياة مصابين يتلقون العلاج يومياً أو أطفال باتوا من شدة الجوع على حافة الموت. وتبقى المفارقة أن منظمة «الصليب الأحمر» ذاتها لا تزال ممنوعة من دخول مدينة المعضمية!
«ابنتي تذوب بين يدي، إذ خسرت في الأيام الأخيرة أكثر من نصف وزنها... لا يوجد طعام ولا حليب ولا حتى ماء نظيف»، تصرخ أم خالد من المعضمية، وهي تشير إلى طفلتها الشاحبة، وتتابع بغضب: «لم أعد أستطيع إرضاعها بسبب سوء التغذية الذي أعاني منه بدوري... أراها تموت أمامي ولا حول لي ولا قوة إلا الصلاة والدعاء على من كان السبب في ما وصلنا له من حال. والله حرام، ما ذنب هؤلاء الأطفال الصغار؟»، تتنهد الأم الثلاثينية بحرقة، وتستطرد: «كأن قدرنا أن نعيش مصيبة تلو أخرى، من دون أمل بفرج قريب».
تتعرض حقوق الطفل السوري في البقاء والنمو لانتهاكات متعددة سرعان ما تصبح أخطاراً كبيرة في حالات الطوارئ والأزمات الإنسانية التي ترافق الثورات أو الحروب أو الكوارث الطبيعية، بينما يفترض أن تمنح حقوق الطفل الأولوية عبر تخصيص مزيد من الجهود لتوفير حاجاته كما شهدنا في بلدان كثيرة تضع حقوق الأطفال في رأس المسلمات التي لا يجوز المساس بها في أي حال من الأحوال.
تنص «اتفاقية حقوق الطفل» الدولية على أنه «يجب أن يتمتع الطفل بحماية خاصة، وأن تمنح له الفرص والتسهيلات اللازمة لنموه الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نمواً طبيعياً وسليماً في جوّ من الحرية والكرامة». وتستند الاتفاقية إلى أنظمة قانونية وتقاليد ثقافية متنوعة تشكّل مجموعة من المعايير والالتزامات المتفق عليها عالمياً وغير الخاضعة للتفاوض أو لأي شرط، بل تشكّل بدورها الحد الأدنى من الاستحقاقات التي يجب على الحكومات احترامها.
«لك والله جوعانين»، «خلقنا لنعيش»، «الجوع كافر»... لافتات رفعها أطفال سوريون بلغات متنوعة ضد العنف المتمادي ومسلسل القتل اليومي، وفي وجه أدعياء محاربة الكفر بينما لا قيمة للإنسان عندهم، وكصرخة استغاثة من أطفال بدأ الجوع والموت يفتك بهم، عساها تصل إلى أصحاب الاتفاقات والمواثيق الدولية، فربما تذكرهم بالتزاماتهم وبأنهم معنيون بمصير الأبرياء الصغار الذين تطحنهم رحى العنف!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.