كثيراً ما يرتبط الحج بالتجارة والبيع، وعلى وجه الخصوص السلع ذات الدلالة الدينية كالمصاحف، الكتب الدينية، و«السبح» على وجه الخصوص، حتى ارتبطت «السبحة» ارتباطاً سيامياً بالحج، في المثل الشعبي «حج وبيع سبح»، إلا أن محمد أكبر (باكستاني الجنسية) خالف القاعدة الشعبية، إذ كان حضوره في المشاعر المقدسة مخصصاً ل «بيع السبح» بلا حج. فعلى رغم تناقض عمل محمد أكبر مع حياته اليومية، ذلك كونه يعمل «عاملاً» بأجر يومي في مكةالمكرمة، يؤدي مختلف أنواع المهمات الشاقة في العمائر قيد التشييد، من تحميل وتنزيل لأدوات البناء، ومساعدته لأصحاب الحرف من سباكين ونجارين، ومعلمي البناء، إلا أن موسم الحج، دفع به لإيقاف نشاطه اليومي، والتحول إلى «تاجر شنطة» في المشاعر المقدسة. «تاجر الشنطة» الباكستاني، والذي ملأ حقيبة سفر سوداء اللون، بمختلف أنواع وأشكال «السبح» - نحو 500 سبحة كما يقول - حدد سعر خمسة ريالات للسبحة الخشبية الصغيرة، و10 ريالات للكبيرة، متجولاً بين جموع الحجيج، بشنطته التي رفعها على عربة رباعية العجلات، فاتحاً غطاءها لترغيب الحجيج في بضاعته. زبائن أكبر، من مختلف الجنسيات، قدموا لأداء مناسك الحج، التفوا حوله، لمعاينة البضاعة تارة، ولمفاصلات في السعر تارة أخرى، إلا أن موقف أكبر الباكستاني كان حازماً مع زبائنه، وذلك في رده عليهم بأن السعر موحد ولا يحتمل التخفيض. سبح خشبية، اختلفت ألوانها، أطوالها وأسعارها، إلا أن الغرض منها كان واحداً، أجمع عليه الحجيج، وذلك لاستخدامها في حصر عدد التسبيحات لله، التكبيرات والاستغفار، كأداة تعينهم على العبادة، وتسهل لهم أمر إحصاء عدد الذكر دون نقصان أو زيادة. محمد أكبر، لم يكن وحده من عمد إلى التجارة في الحج، دون أداء للمناسك، إذ إن الكثيرين من مختلف الجاليات التي تسكن مكةالمكرمة، عمدت إلى الاستفادة من موسم الحج، وذلك بالمشاركة في تقديم مختلف السلع من ملابس، أزياء خاصة بهم، مأكولات ومشروبات، في أماكن عدة من المشاعر المقدسة، خصوصاً منطقة شارع «سوق العرب»، غير أن محمد أكبر، كانت حاله فريدة ومختلفة عن من سواه، وذلك لكسره قاعدة المثل الشعبي «حج وبيع سبح» لبيعه الأخير، دون القيام بالأول.