استطاعت مدينة أصيلة في شمال المغرب أن تتحول إلى قطب ثقافي وسياحي مهم، يقصده عشرات آلاف السياح سنوياً، لما فيها من إنتاج فني مميز ولافت. حفيظ المرابط الشاب الذي تخطى الأربعين، اختار أن يكون سفيراً لأعمال أخيه مصطفى الفنية لأنه يتقن طريقة الإقناع وبكل اللغات. هذه الأعمال المتنوعة المواضيع والأشكال حرصا على أن يجعلاها مورد لقمة عيش يومي مبنياً على العشق الفني لزائري المدينة وتشجيعهم على إبداع شبابي عصامي ينفتح على الناس في الشوارع. اتخذ حفيظ من ساحة عبدالله كنون فضاء لعرض لوحاته صيفاً وشتاء. منذ الصباح يجوب الشوارع ذهاباً وإياباً لاقتناص سياح مغاربة وأوروبيين. درّب لسانه على إسبانية أنيقة وإنكليزية طليقة وفرنسية مكسرة، عارضاً كل يوم ما بين عشرين وثلاثين لوحة. بفخر الشجاع الذي يتمتع بثقة زائدة، يستوقف الزبائن، يقتحم جلساتهم في المقاهي، يقلب حفيظ بين الفينة والأخرى ظهر اللوحة لينتزع عبارات الإعجاب الأولى، التي تسعفه في ولوج مرحلة المساومة على السعر والظفر بثمن يواجه به إكراهات الزمن رفقة أخيه. لا يراهن على هذه الأعمال الفنية ليصير بليونيراً، ولأجل هذا فهو يرفض الدعوات التي تقدم له من أجل إقامة معارض في أروقة رسمية، فقد حظي بفوز سابق عندما كان مهاجراً في إسبانيا، إذ قال إن الثروة أتت إليه مصادفة في لحظة معينة حين شارك من باب التسلية في ألعاب الحظ، مضيفاً أنه بعد ذلك لم يعد يرف له الجفن، وأن نصف بليون درهم الذي كسبه تسبب له بمتاعب نفسية، ولذلك راح يبدده في المطاعم والفنادق الفخمة والسفر إلى أن نفد. فهو شاب لا يحبذ الشكوى والاستعطاف استدراراً لعطاء وافر، يقبل الأرض حمداً لله على رزقه الذي يؤمن له كرامته، وهو سعيد لأنه عثر على مورد رزق في المدينة التي لم يستطع العيش خارجها. يقول حفيظ: «أمضيت عشر سنوات بإسبانيا، كدت أجن، لم أتكيف مع وتيرة الحياة هناك، الضغوط اليومية أصابتني بالاكتئاب، فقررت الرجوع إلى الأرض والبحر والهواء والألوان التي عشت معها منذ الصغر». يضيف حفيظ بأنه يعتمد على أكياس الإسمنت كحامل، والتي يعود الفضل فيها لشقيقه مصطفى الذي جعله يفطن لها، خصوصاً أنها تتميز بالمتانة والليونة في الوقت ذاته، إضافة إلى وظيفة هذه العملية من الناحية الإيكولوجية، حيث يعتبر نفسه كمن يقوم بتدوير هذه النفايات بجعلها نافعة من خلال تجميعه لها يومياً من مختلف أوراش البناء التي تزايدت بكثرة بحكم ارتفاع وتيرة التمدن وهذا ما يجعله في منتهى الراحة للمادة الأولية. ويوضح أنه يقوم بتنظيفها جيداً وتجفيفها فوق سطح البيت، لتصبح صالحة للرسم الذي يعتمد فيه أخوه على ألوان مستخرجة من الطبيعة كقرون الأكباش التي يضعها على النار ليحصل من نثارها على اللون البني الغامق مضافاً إليه بعض من زيت شجر الأركان واللصاق الأبيض، كما يستمد الأصفر من الزعفران والأزرق من «النيلة» التي تطلى بها جدران المدينة. ويتابع حفيظ تعداد ابتكارات آل المرابط: «تجديدنا كان أيضاً في الإطار، خرجنا من تقليد المربع، لوحاتنا نقصها يدوياً لتتخذ الشكل الذي نريد، تبدو هكذا أكثر عفوية أنهم جربوا الرسم بالحناء لمدة من الزمن، لكنهم لاحظوا أن خطوطها تبهت سريعاً»، مؤكداً أنه يبيع لوحاته بشكل بدائي من دون إطار أو واجهة زجاجية، وأن الزبون يحملها ملفوفة في جريدة، ليعرضها في بيته كما يشاء. ويؤكد حفيظ أنه مرتاح الى حاله، وراض بعمله ما دام يحفظ له كرامته، ويؤكد أنه لا يبحث عن الشهرة، فأعمالهم تدخل الدفء إليهم وتجعله على علاقة حميمية دائمة مع الناس، عكس فضاءات الأروقة الباردة وما يطبعها من حفلات تنكرية وصورية، كما يصفها. ويوضح أنه يبيع سلعته بأسعار رمزية، تتراوح بين 100 و500 درهم مغربي، لأن ما يهمه ليس الربح، بل ترويج الرسالة الفنية التي تتخذ من معالم مدينة (أقواس وأبواب) أصيلةالمدينة التي ما زالت إلى الآن تعيد تهيئة فضاءاتها لتساير طموحاتها في أن تصبح عاصمة للثقافة العربية بامتياز. ويشرح حفيظ أن أخاه يشتغل على مواضيع تهم القضايا الإنسانية الراهنة والتي تتخذ موضوعاً لها، كالربيع العربي وقضية المرأة والموسيقى الشبابية، قائلاً إنه استوحى أحد موضوعاتها من «الهيب هوب والراب» والتي لم يتذوقها، فجسد فكرتها تشكيلياً من خلال طبيب جراح يجري عملية جراحية لآلة القيثار. يتأسف حفيظ لكون بعض الناس يحتقرون فنون الشارع، ويعتبرونها نوعاً من التسول أو الاحتيال. ويقول: «حتى لو عرضت على بعضهم قطعة ذهبية خالصة، سيحسبها مغشوشة»، لكنه يفتخر بأن أعمالهم سافرت إلى بلدان أوروبية كثيرة في حقائب السياح، ليعترف بأنه لا يكون دائماً رحيماً بزبائنه «بعض الغربيين لا يقدر العمل إلا إذا كان مرتفع السعر. بعت لوحة لبريطاني بألف درهم، ومضى إلى حال سبيله سعيداً».