على أبواب فصل الشتاء، يستعد السوريون بقلق كبير، لمواجهة كارثة الصقيع والتدفئة في سورية. فمع قلة ذات اليد، ومعاناة النزوح، والإقامة في مساكن بائسة مفتوحة على العراء، ومع غياب الحد الأدنى من خدمات الدولة، ينتظر السوريين الكثير من الصقيع والمرض، والقليل من الدفء والعافية. في غرفة بائسة (على العظم)، واجه أبو معن، النازح من مدينة داريا إلى صحنايا قبل عام، وحول شتاء العام الماضي وأمراضه وصقيعه. يستذكر الشاب الثلاثيني بمرارة، معاناته وعائلته مع قسوة الظروف المناخية في ذلك الشتاء القارص، يقول أبو معن مشيراً إلى نوافذ البيت، وهي فتحات في الجدار: «هل يمكن لمرء أن يتخيل أنني قضيت مع أطفالي شتاءً كاملاً في غرفة من دون نوافذ، ومن دون وسيلة تدفئة؟!»، ويتابع مجيباً: «نعم، حصل ذلك، لقد كنت أغلق النوافذ بالنايلون والبلاستيك، كانت تصمد ساعات فقط، قبل أن تعصف بها الرياح العاتية، وكنا نتدفأ على الأعواد التي اجمعها من الشارع. وكم يرعبني اليوم، أن أسابيع فحسب، باتت تفصلنا عن تجدد المعاناة». أبو معن ليس حالة خاصة، وهو السوري الذي فقد منزله، ومصدر عيشه، ولجأ إلى عمارة قيد البناء، بل يوجد الملايين من السوريين ممن يعيشون في مناطق النظام، ويكابدون معاناةً مماثلة. هذا فضلاً عن ملايين أخرى في المناطق المحررة ممن تحطمت أبواب منازلهم ونوافذها، وانفتحت بصورة مفزعة على العراء، فيما يمنع الحصار المفروض على مناطقهم أي قدرة لترميمٍ ضروري، يخفف عنهم صقيع الشتاء. وتزداد المعاناة بسبب غياب مادة المازوت وارتفاع أسعارها في صورة لا طاقة لهؤلاء الملاحقين في عيشهم على احتمالها. أما الذين سلمت منازلهم من قصف النظام السوري، ولا زالوا يعيشون في كنفه، فلم تسلم دخولهم الشهرية من ذلك. ففي ظل حالة الانهيار الاقتصادي التام، سقطت مادة المازوت من جدول نفقات الكثير منهم، وانتقلت لدى بعضهم من قائمة ضروريات المعيشة، إلى قائمة الكماليات. إذ إن «مازوت الحكومة» المدعوم، كان بعيد المنال أصلاً في شتاء العام الماضي عندما سجل سعر الليتر 30 ليرة، كيف به اليوم، وقد قفز سعره بمعدل 100 في المئة؟. لكن أبو احمد، وهو رب أسرة مؤلفة من ثلاثة أطفال، لا يستطيع إسقاط هذه المادة من حساباته، يقول : «مع ارتفاع وتيرة انقطاع التيار الكهربائي لتصل إلى 10 ساعات في الشتاء، ووجود طفل رضيع لدي، لا يمكنني بأي حال أن استغني عن المازوت للتدفئة». ويضيف: «وحتى مع رفع السعر إلى 60 ليرة، أتمنى بشدة أن تفي الحكومة بما تقطعه على نفسها من وعود وما تطلقه من تصريحات، وأن تبيعنا المازوت بهذا السعر، من دون أن اضطر للمزاحمة ساعات وأياماً، في محطات الوقود أمام طوابير لا تنتهي، لأحصل عليه بسعر 100 ليرة، كما حصل معي في الشتاء الماضي». وعود وادعاءات الحكومة السورية لا تتوقف، إذ أعلنت أخيراً، أنها ستخصص لكل عائلة 400 ليتر مازوت بالسعر المدعوم، للتدفئة المنزلية في شتاء هذا العام. وادعت، كما فعلت في العام الفائت، أن توزيع المازوت «سيتم وفق آليات منظمة، لضمان وصول المادة إلى كل منزل وعائلة». وفيما يشتكي كثيرون من السوريين من عدم استلام أي دفعة مازوت في العام الماضي، يشرح عصام، الموظف في القطاع العام، عن تجربته: «استلمت دفعة واحدة في الشتاء الفائت، كانت الأولى والأخيرة»، ويتابع: «بعد أن كنا نعاني نقص مادة المازوت، أصبحنا أمام انعدامها التام، حتى في مكان عملي وهو هيئة حكومية، افتقدنا التدفئة في العام الماضي بسبب انقطاع المازوت، لا أعرف أين يذهب المازوت إذاً؟!». فيما حذر نقيب عمال النفط بدمشق علي مرعي، من «أزمة مازوت كبيرة ستشهدها محافظة ريف دمشق خلال الشتاء»، إن لم تسرع «شركة محروقات» بإيجاد مقر جديد لفرعها وخزاناتها بدلاً من تلك «المخرّبة». هذا وتستوعب الخزانات التي فقدت الحكومة السيطرة عليها مئات الملايين من الليترات، وتسد حاجة محافظة ريف دمشق. واعتبر مرعي أن «قرار الحكومة تخصيص كل عائلة ب 400 ليتر مازوت، لن يقدم و لن يؤخر في حال عدم التصدي للأمور التي تسببت بأزمة الشتاء الماضي، والتي حُرمت خلالها النسبة العظمى من المواطنين من مازوت التدفئة، ومنها موضوع الخزانات». ومنها أيضاً، ما أغفله مرعي اليوم، وكان قد كشف عنه بنفسه في العام الماضي، عندما اتهم «شركة محروقات» بتزويد محطات متوقفة عن العمل بملايين الليترات من المازوت، وقال حينها: «هذا أمر غير طبيعي، ولا يمكن تبريره بأنه خطأ، لأن الخطأ، لا يمكن أن يتكرر بأذون عدة شحن لمصلحة محطة واحدة». في قرارة نفسه، يعرف مرعي أن هذا هو «الأمر الطبيعي»، وأن السلطة التي ينتمي إليها، هي عائمة أصلاً على بحر من الفساد، كان قد تشكل عبر قرون طويلة من نهب مقدّرات السوريين. والحالة تلك، فلن تتحول السلطة، بقدرة مرعي وبمراسيم الإصلاح، إلى أمٍ رؤوم، تمنح أبنائها الدفء والطمأنينة... والمازوت.