«لحق حالك قبل الغلاء، مدافئ ممتازة وسخانات اكسترا تقيك برد الشتاء من دون مازوت...»، بهذه العبارات وغيرها، ينادي البائعون في الأسواق السورية على المدافئ الكهربائية التي لا يحتاجون إلى جهد كبير لإقناع الزبائن بشرائها، بعدما أدى شحّ المازوت وصعوبة الحصول عليه إلى إقبال كبير على شراء أدوات التدفئة الكهربائية بأشكالها وأنواعها المختلفة. تحول السائل النفطي للمدافئ البيتية الحميمية، إلى هاجس مقلق للعائلات السورية، بعد أن ارتفعت أسعار الوقود في شكل ملحوظ، فقفز سعر ليتر المازوت من 7 ليرات سورية إلى 25 ثم انخفض إلى 16 ليرة، بينما لا يزال متوسط دخل الأسرة منخفضاً نسبياً في سورية، وتعيش أسر كثيرة دون خط الفقر. وكان العام الفائت، شهد «حلاًّ»، بإعانات للعائلات «المستحقة» تمثّل بتوزيع ما سُمّي «قسائم المازوت»، أما هذه السنة فتشهد المدن السورية نقصاً خانقاً في الغاز والمازوت بدأ مع حلول فصل الشتاء، ويضطر البعض الى قضاء ساعات طويلة في طوابير حاشدة أمام محطات الوقود ومراكز التوزيع لتأمين حاجتهم من المازوت للتدفئة والغاز لطهو الطعام، بينما لا تقف هذه الحاجة عائقاً عند الكثيرين في متابعة القضية الأهم ولا تمنعهم من الاستمرار في المشاركة في احتجاجات تطالب بحقوق أكبر. ... بالسعر الرسمي وفي محاولة للتخفيف من حدة هذه الأزمة، ووفق مصادر رسمية، أقر مجلس الشعب أخيراً التوصيات المقدمة من اللجنة المكلفة دراسة آلية توزيع مادة المازوت في شكل عادل يضمن وصولها الى جميع الأسر بالسعر الرسمي. وكان مدير محروقات دمشق قال في تصريح صحافي له إن سبب الزيادة هو عزوف المحطات الخاصة عن تزويد المواطنين بالمازوت، نتيجة احتكار المادة والتصرف بها بغير وجهتها الصحيحة، وأضاف أن الحل يكمن في قمع الاحتكار وتوفير آليات وصهاريج جديدة لتلبية حاجات جميع المواطنين، والعمل على تخفيض مخصصات المحطات الخاصة وتحويلها إلى التوزيع المباشر، في حال ثبوت عدم التزام هذه المحطات بالتوزيع الصحيح والعادل. ولكن عملياً ولأسباب متعددة من أهمها ما «تبتلعه الآليات العسكرية» من هذه المادة في الظروف الراهنة، لم تصل كميات المازوت المحددة الى كثير من الأسر السورية التي تواجه برداً قارساً، وبخاصة العائلات الأكثر فقراً وحاجة، الأمر الذي ألهم بعض الناشطين فأطلقوا حملات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «الفايسبوك» و «تويتر» وغيرها تطالب بأولوية تأمين المازوت لتدفئة الناس ولا سيما الأطفال قبل أي شيء آخر. عقوبات وبدائل أما في ما يتعلق بالكهرباء، فقد أشار أعضاء مجلس الشعب أيضاً إلى ضرورة توفير الطاقة الكهربائية وتغطية حاجات المواطنين، لكن عبر تعميم العدادات الالكترونية، والحد من السرقات والتعديات غير المشروعة، وتشجيع استخدامها كطاقة بديلة لمادة المازوت في بعض النشاطات الزراعية. وأوضح وزير الكهرباء أنه ومنذ بداية الأزمة في سورية عمدت الوزارة إلى تفعيل الخطط التعاونية والاستثمارات التي تشمل مجالات الطاقة الكهربائية التقليدية والبديلة، مشيراً إلى توقيع الكثير من مذكرات التفاهم الأولية التي سيتم الإعلان عنها بعد تصديقها، والى أن مشاريع التوليد القائمة التي تنفذها الوزارة مستمرة ولن تتوقف بفعل العقوبات التي تفرض بحق سورية، وعلى العكس لجأت الجهات المختصة إلى التقنين لتوفير استهلاك الطاقة الكهربائية التي اصبحت الخيار الأخير للأسر السورية كبديل من المازوت، لاتقاء برد الشتاء. والسوريون الذين خاضوا السنة الماضية حرب قسائم المازوت بسخرية مؤلمة، يعيشون هذا العام أزمة الوقود في شكل مختلف، والأولوية لقضايا أخرى لها لون الدماء التي تسفك، وأنّات أسر ثكلى، فالهم الخاص لا ينفصل عن الهم العام، و «أزمة المازوت ربما لن تعالج... ما لم تنته أزمة الوطن»!