طوال سبعة عقود، كان الكون بالنسبة للمواطن مقتصراً على قريته الوساع في محافظة بيشة (جنوب السعودية)، فمنذ أبصرت عيناه نور الحياة لم تعرف أقدامه أرضاً تطؤها سوى تراب أرضه، فلم يسبق له أن اتصل برقم الحجز لرحلات الطيران للسفر خارج مدينته أو بلاده، لكن يوم التروية في مشعر منى خط فصل جديد في حياة الرجل السبيعني بالاختلاط بشعوب قدمت من أرجاء المعمورة. ولا يعرف فايع هادي من هذا الكون إلا مسقط رأسه وموطنه الدائم، و100 رأس من الغنم يرعاها في الوادي القريب من منزله الكامن في الوساع بمحافظة بيشة ( جنوب السعودية)، فهو لم يغادرها منذ مولده وحتى بلغ من العمر عتياً، سوى في رحلة قدومه إلى المشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج التي لا تزيد على 10أيام . أعداد لا تحصى من الفوارق التي رصدها ولمسها هادي فور مغادرته منطقته للمرة الأولى لأداء الفريضة، فعلامات الاستعجاب والاستفهام لا تكاد تتوقف من الدوران حول رأسه تزوده بكم هائل من الأسئلة، لن يحصر إجاباتها حال أفنى عمره بالبحث والاطلاع، ما جعله يترك مخيمه صباحاً ويبدأ في عملية الاستكشاف لعالم جديد سبقه بجيلين. الموت، المرض، والأمية، أشفى الإجابات التي يتلقاها سائل عن سبب عزلة هادي الطويلة، إذ أوضح ل «الحياة» أنه فقد ستة من أبنائه بسبب معاناتهم من الأمراض، وكان من بينهم ابنه البكر علي الذي أصيب بمرض السكر وهو يبلغ من العمر سبعة أعوام، لتلتحق به أمراض متفرقة في بدنه وتتسبب في وفاته بالغاً من العمر 30 عاماً، ليتبقى لديه اثنان من أبنائه وبناته. الطائرة التي لم يقللها هادي طوال حياته حتى في رحلته إلى مكةالمكرمة، ليس بسبب الرهبة المشاعة لدى بعض الناس، بل لسبب أكثر بساطة وهو عدم سناح الفرصة لذلك، فالمسافة بين جسده على البسيطة، وارتفاع الطيران، هي أقرب مسافة فصلت بينه وبين الطائرة، ولا يختلف الأمر عن الهواتف الذكية، مع أنه يحمل واحدة منها، - وبحسب حديثه- فإن استيعابه الذهني لطريقة عملها غير واقع. الإنترنت، ودولة أميركا، ليس لهما مكان في عقل هادي، إذ حين سؤاله عنهما أجاب: «لا أعرف أميركا، ولكني سبق وأن سمعت عنها أخباراً ليست جيدة، أما الإنترنت فلا أعرفه نهائياً»، مشيراً إلى أنه غير مهتم بالشؤون السياسية والتقنية، لأنه لا يرجو فائدة منها. يقول هادي إن ممارسته اليومية لرعاية أغنامه في وقت باكر أجبرته أن يصحو صباح كل يوم، ويبدأ بالسير في المشاعر المقدسة، ومحاولة فتح أبواب الحديث مع الحجاج، إلا أن لكنته الجنوبية المندثرة حالت دون نجاح محاولات التواصل، ليعود مفتقداً امرأته العجوز التي تمنى أن تصحبه في رحلته، لكن أصابتها في إحدى عينيها جعلتها تفضل البقاء بالقرب من بنينها وبناتها.