وصف الدكتور علي بن إبراهيم النملة نظرية المؤامرة بأنها أسوأ نظرية تعوق العقل العربي والإسلامي عن الانطلاق، وتحد من قدراته على التصدي للمشكلات والتغلب عليها، وتعمل على إلغاء إرادة الأمة وتنمية إرادة أعدائها. وقال إن نقد نظرية المؤامرة «لا ينبغي أن يفضي إلى إصدار صكوك البراءة عن أحد طرفيها: المستهدِف والمستهدَف، إذ كلا البراءتين لا تتماشى مع وجود المفهوم، بل وتناميه مع تنامي إمكانات المستهدِف وتململ المستهدَف ليقظته وتنبهه وتصديه لما يحاك ضده». ونبّه الدكتور النملة إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني كأحد الحلول المهمة، ومن مقومات ذلك التجديد نقد الذات بدلاً من جلدها، مما يستدعي معرفة الفرق الدقيق بين نقد الذات وجلدها. وقال: «اللوم على الغرب ومخططاته لا يبرئ النفس من الإسهام في الحال التي وصلت إليها الأمة بوجود أجواء مكفهرة وتوترات مستمرة»، مضيفاً أن «من تجديد الخطاب الديني تجديد وسائله واستغلال مفاهيم جديدة لم تكن تنل الترحيب من قبل، مثل العناية بالفن واستغلاله في الإصلاح والتغيير والدعوة والتبليغ». جاء ذلك ضمن كتاب للنملة صدر حديثاً تحت عنوان «هاجس المؤامرة في الفكر العربي بين التهوين والتهويل»، وفيه يناقش النملة قضية المؤامرة في مدخل وعدة وقفات وخلاصة. وفي مدخل الكتاب يشير المؤلف إلى وجود مئات الآلاف من المواد المكتوبة بالعربية، وحوالى مليوني مادة انكليزية قل فيها الطرح الموضوعي والهادئ من طرفين، وصلت لحد الشتائم في ما يخص إثبات أو نفي نظرية المؤامرة. وتأتي الوقفات الثماني على هيئة مناقشات لطرفين متناقضين في موقفهما من مفهوم المؤامرة، أحدهما يثبتها إلى درجة التهويل من تأثيرها على الأمم، فهي عنده حقيقة واقعة، والآخر ينفيها نفياً مطلقاً ويسعى إلى تسويغ ما يظهر من أحداث تتناسب مع هذا المفهوم، على أنه بفعل الناس أنفسهم ومن داخلهم، فهي عندهم وهم مصطنع يوحي بحالة مرضية مزمنة تصل إلى الهوس. كما تسعى هذه الوقفات إلى البحث عن المنهج الوسط بين موقفين متطرفين، فيثبت هذا المنهج وجود المفهوم، ولكنه لا يرمي عليه كل التدابير، ولا يغفل القدرات الذاتية في الإسهام في وجود المشكلات، والإسهام كذلك في التغلب عليها بفطنة وكياسة وتثبت. وفي وقفات الكتاب يتناول النملة رحلة مفهوم المؤامرة بشكل عام، وكذلك المؤامرة في الخطاب العربي والإسلامي، لم يغب عنه فيها استعراض هاجسها في الفكر الإسلامي، منذ حادثة اغتيال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والفتنة في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومؤامرة الخوارج ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. لينتقل لعلاقة ذلك المفهوم بالسياسة والصهيونية، قبل أن يعرج لتوظيفه من خلال 11 أيلول (سبتمبر) ودور ذلك في تزايد الخوف من الإسلام وعليه، كفعل وردة فعل، مشيراً إلى أن نظر الكثير من مؤيدي فكرة المؤامرة إلى أن العلاقات الدولية جزء من التآمر، وليس تلاقي مصالح، أدى إلى التعويل على العوامل الخارجية في تفسير كل مآسي الأمة، ومن ثم يتم تجاهل أخطائها الاستراتيجية. وفي وقفة طويلة، يستعرض النملة موقفي التهويل والتهوين، ويناقش أثرها وتأثرها بالعولمة والتغريب. ويشير إلى منهج وسط يؤمن بالمفهوم، من حيث المبدأ والقدرات البشرية والدوافع، لكنه يضعه في مكانه الطبيعي من حيث المعالجة، باعتباره من تلك القضايا التي لا ينبغي أن تغفل، دون إفراط في الاستسلام للمفهوم، بحيث يصبح الناس أسرى له، فتتعطل قدراتهم على التفكير، ويصابون بالإحباط واليأس، ودون تفريط في تغافله وتجاهله، وبالتالي تجاهل أثره في الأمة.