جرى الحديث كثيراً عن الأمن القومي العربي عموماً كما جرى اختزاله أحياناً في أمن منطقة الخليج، ذلك أنها المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية بحكم مخزون الثروة النفطية فيها ووجود الأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية فضلاً عن الأهمية «الجيوبوليتيكية» حيث تطل على الخليج الذي يفصلها عن إيران مع وقوعها على شاطئ بحر العرب وإطلالها على البحر الأحمر محاذية لشرق أفريقيا وغير بعيدة أيضاً عن المحيط الهندي، لذلك كان من الطبيعي أن تستحوذ هذه المنطقة الحساسة على الاهتمام البالغ من جانب القوى الكبرى التي تتعامل مع العالم كله حالياً بمنطق السيطرة وإمكانية التدخل في شؤون أقطارها إذا لزم الأمر تحت دعاوى ومبررات معروفة تدور حول ما يعطيه القانون الدولي الإنساني من رخصٍ لقوة عظمى (الولاياتالمتحدة الأميركية) أو لمجموعة من «القوى الكبرى» (حلف الأطلسي) من خلال «الشرعية الدولية» (مجلس الأمن) أو من دونها! بحيث تتمكن قوى الهيمنة العالمية من وضع منطقة الخليج تحت رعايتها سياسياً واقتصادياً وربما عسكرياً أيضاً، وواقع الأمر أن دول الخليج العربي لا تنفرد وحدها بالتركيز الخارجي عليها فما أكثر الأقاليم الدولية التي تخضع لضغوط السيد الأميركي في العقود الأخيرة، ولعلنا نفسِّر الآن ما نريد أن نشير إليه: أولاً: إن منطقة الخليج العربي مستهدفة بمخاطر عدة فهناك أطماع إسرائيلية وآمال إيرانية وتطلعات تركية لأن الثروة عنصر جاذب كما أن هذه الدول الثلاث غير العربية تنظر إلى الخليج العربي باعتباره مركز ثقل ومصدر قوة مادية، لذلك فإن «القوى الكبرى» حاضرة وبشدة في هذه المنطقة العالية القيمة استراتيجياً واقتصادياً فضلاً عن الثقل الروحي والسياسي للمملكة العربية السعودية، من هنا فإن أمن الخليج يكاد يختزل الأمن العربي كله، ويجب أن نسجل هنا أن الجمهورية الإسلامية في إيران يمكن أن تجد مبرراتٍ مذهبية أو نفطية للقفز على بعض شواطئ الخليج واقتحام الحياة السياسية في بعضها، ولعل نموذج ما يجري في مملكة البحرين هو شاهد على ذلك، فعلى رغم محاولات الترويض التي تبذلها بعض دول الخليج مثل السعودية والإمارات والكويت للدولة الإيرانية فإن الأمر لا يخلو من أطماعٍ مكتومة وتطلعات صريحة وأهداف اقتصادية واضحة. ثانياً: يقع البعض في خطيئة كبرى عندما يساوي بين الخطر الإسرائيلي والخطر الإيراني فالدرجة متفاوتة بالضرورة، وإسرائيل دولة غير إسلامية تتصف بالعنصرية والتوسع والعدوانية، بينما إيران كيان إقليمي لديه روافد تاريخية وأجندات عصرية بدأت تتضح بعد الثورة الإسلامية، وإذا كان الملف النووي الإيراني يسبب قلقاً لدول الخليج العربي فإن الملف النووي الإسرائيلي يمثل تهديداً للدول العربية كافة من دون استثناء، وبهذه المناسبة فإننا لا نعوِّل كثيراً على الخلافات الإيرانية الأميركية ونراها قابلة للحل وأن الدولتين مرشحتان للتحالف في المستقبل غير البعيد. ثالثاً: لم يقف التهديد لأمن الخليج العربي عند حدود الدولة العبرية أو الدولة الفارسية بل جاءته الضربات من الشقيق أيضاً، فكان غزو العراق للكويت مؤشراً واضحاً لأطماعٍ عربية في أراضٍ عربية! فقد كان غزو صدام حسين عام 1990 للكويت ضربة قاصمة للأمن القومي العربي عموماً وأمن دول الخليج خصوصاً حتى أدرك الجميع أن مغامراً يمكن أن يقود بلاده إلى الهجوم على إحدى دول الخليج متناسياً القواسم المشتركة للعروبة والإسلام والتاريخ الواحد، لذلك فإننا نظن أن الأمر برمته يحتاج إلى مراجعة جديدة لمقومات أمن الخليج، ولو أدى ذلك إلى تحالفات عربية أخرى مع تسليمنا بأهمية مجلس التعاون الخليجي وقوات «درع الجزيرة»، فالأمر يتجاوز ذلك أحياناً ويحتاج إلى تكتل إقليمي كما حدث عند تحرير الكويت عام 1991. رابعاً: ليس لأنني مصري كي أزعم أن المصريين هم أكثر شعوب المنطقة احتراماً لأمن الخليج وشعوراً حقيقياً بأنهم أصحاب مصلحة في أمنه وسلامته والدفاع عنه من منطلق المصالح المشتركة والجوار الجغرافي عبر البحر الأحمر، فضلاً عن الوقفات التاريخية المتبادلة بين مصر ودول الخليج في العقود الأخيرة، فالكل يدرك أين تقف مصر من الغزو الخارجي لدولة خليجية كما حدث بالنسبة إلى دولة الكويت من قبل أو حتى التهديدات الخارجية كما حدث مع البحرين منذ سنوات قليلة، ولا ينسى المصريون على الجانب الآخر وقفة المملكة العربية السعودية والملك عبد الله بن عبدالعزيز ومعه أولاد الراحل العظيم الشيخ زايد آل نهيان إلى جانب دولة الكويتوالبحرين مساندة لمصر عندما سطا فصيلٌ واحد على الحياة السياسية ومراكز السلطة في أكبر دولة عربية، ولقد كان الدعم الخليجي المادي والسياسي خير عونٍ لمصر وشعبها في المضي على الطريق الصحيح، وإذا كنَّا نعتبر دولة قطر استثناءً فذلك من قبيل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة خصوصاً أن العلاقات بين الشعبين المصري والقطري لا توجد بها مشكلات لطرف لدى الآخر، إذ إن حقيقة الأمر تكمن في خضوع المنطقة كلها لترتيبات أجنبية تلعب فيها السياسة الأميركية الدور الأساس بينما تختفي الدولة العبرية وراء الكواليس تلدغ هنا وتضرب هناك! خامساً: يتساءل كثيرون عن تأثير ثورات «الربيع العربي» في أمن الخليج، ولنا هنا ملاحظات عدة، أولاها أن ثورات الربيع العربي اقتصرت على النظم الجمهورية أو غير الملكية على الأقل فلم تصل إلى الدول الأخرى وقد لا تصل إليها بالطبع، لأن الرخاء الاقتصادي النسبي يخلق حالة من الرضا العام لدى الشعوب فضلاً عن وجود تقاليد سياسية راسخة تعتمد على نظام قبلي وتجمعات عشائرية لا يمكن تجاهلها، وإذا كانت معظم ثورات الربيع العربي قد دخلت مرحلة معاناة حقيقية فإن دول الخليج تقف داعماً للجميع مؤمنة بالإرادة الشعبية لكل قطر ولعل موقفها من مصر أخيراً هو خير شاهد على ذلك. سادساً: إن دول الخليج العربي تملك درجة عالية من التجانس السكاني والتشابه في القيم والعادات والتقاليد فضلاً عن أن تشابه نظم الحكم هو قاسم مشترك بينها جميعاً، لذلك ظلت هذه النقطة حجر عثرة أمام انضمام جمهورية اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي. ومهما كانت المبررات فإن اختلاف النظام السياسي هو السبب الرئيس لرفض عضوية إيران في المجلس، وقد أدت دعوة المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية لعضوية مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة تكريس هذه الفكرة حتى أن تشابه نظام الحكم قد أسقط مفهوم البعد الجغرافي ولم يجعل له تأثيراً يذكر. سابعاً: يواجه أمن الخليج درجة عالية من التحدي نتيجة الموقع الجغرافي القريب من عدة دول نووية (الهند وباكستان وربما إيران قريباً) فضلاً عن دولة إسرائيل بكل مخاطر وجودها المحتملة دائماً وهو ما يلقي عبئاً إضافياً على المجموعة الخليجية ويجعل دورها محكوماً بهذه الظروف الجغرافية والسياسية على الدوام، ولقد اكتشف الخليجيون هذا الأمر فأصبحوا من أشد معارضي انتشار أسلحة الدمار الشامل خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة. هذه قراءة عاجلة تبسط العناصر الأساسية لأمن الخليج وتوضح أبعاده المختلفة وتتجاوز ذلك إلى عدد من المحاذير التي يجب أن يتداركها العقل الخليجي في هذه المرحلة الملغومة بالمؤامرات الحافلة بالتحديات والتي تطرح كل يوم جديداً لم يكن متوقعاً من قبل! * كاتب مصري