مكالمة هاتفية استغرقت 15 دقيقة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني، قلبت المشهد الشرق الأوسطي رأساً على عقب.Have a nice day و«خودا حافظ» جعلتا المحللين السياسيين في الشرق الأوسط «يشحنون أجهزتهم اللوحية» ويسطرون مئات المقالات التي تخفض وترفع من تبعات هذه المكالمة القصيرة! فهل فعلاً يستحق الأمر كل ذلك؟! هل نحن بصدد علاقات نوعية جديدة بين الشيطان الأكبر وإحدى دول محور الشر؟ أم أن الأمر لا يتجاوز استحقاقات ديبلوماسية إجبارية فرضها التجمع الأممي في نيويورك؟ النخبة السياسية الحاكمة في إيران يهمها في الوقت الحالي الخروج من أزمتها الداخلية الخانقة بمد يديها لكل من بيده تغيير شروط اللعبة. فبعد سنوات محمود أحمدي نجاد العجاف جاء الدور على «خاتمي الجديد» حسن روحاني ليلبس ثياب الحمل، ويروّج لإيران الجديدة التي تسعى في الظاهر إلى طمأنة المجتمع الدولي بخياراتها النووية، وتخطط برقصة علنية للالتحاق «بمحاور الخير» إقليمياً وعالمياً، فيما هي في الحقيقة تهدف إلى تخفيف الضغط الاقتصادي الداخلي على المؤسسة الدينية الحاكمة، وتخليصها من مخاطر اندلاع ثورة شبابية علمانية تقذف بإرث الخميني في الخليج العربي. الإدارة الأميركية من جهتها، تلعب بحبال التصاريح الديبلوماسية بعد سقوطها المريع في اختبار الأزمة السورية. باراك أوباما ومن خلفه المتنفذون في إدارته يسعون إلى تجاوز «الخط الأحمر» الذي رسموه من قبل، من خلال اللعب على الحلول الموقتة! فما عدوه انتصاراً في مجريات الأزمة السورية - بعد موافقة بشار الأسد على التخلص من أسلحته الكيماوية (على رغم هزيمة المجتمع الدولي المستمرة جراء استمرار حفلات القتل اليومي للمدنيين الأبرياء) - يكبر الآن ليشمل إيران لثنيها عن المضي قدماً في مشروعها النووي. النجاح الكلامي لا يحتاج سوى إرادة كلامية وفعل كلامي، وهذا ما «يتخبط» بزراعته أوباما، وهذا ما يسارع الإيرانيون إلى حصاده! لكن وعوداً على بدء، هل يمكن للمصالحة أن تتم؟ الجواب بكل تأكيد هو «لا» كبيرة! فسعي المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي من خلال عضوه المنتدب حسن روحاني - اللذان يمثلان إيران رغماً عنها في الوقت الحالي - سيصطدم بالمجمل الأميركي الذي لا تستطيع أن تختصره إدارة أوباما في بضعة موظفين كما تفعل الديموقراطية الإيرانية! إذا كانت إيران مرشداً أعلى ومريدين وتابعين أدنى، فإن أميركا هي ملايين الأوراق والوثائق المدموغة بالنسر الأصلع التي لا يستطيع أوباما أو غيره من الرؤساء السابقين واللاحقين أن يفصّلها على مقاس الأخطاء والارتباكات السياسية العارضة! كما أن المشكلات العميقة ما بين واشنطن وطهران والتي تضرب أطنابها في مواقع عدة من الشرق الأوسط، من غير المحتمل أن تنفرج خلال الأعوام القليلة المقبلة. فالتعقيد الذي يحيط بكل اشتباك للدولتين على الخريطة الشرق أوسطية ليس من السهولة تفكيكه وإعادة تجميعه في شكل يخدم مصالح الدولتين لمجرد حسن نوايا مشترك طرأ على السطح فجأة! وفي الوقت نفسه، يصعب على الأمة الأميركية قبول إيران حليفاً جديداً بعد آلاف الحملات الإعلامية الداخلية ومئات الأفلام الإنتي- إيرانية المنتجة في هوليوود خلال ال30عاماً الماضية. إذا كان الأمر سهلاً على الشعب الفارسي، «العلماني في غالبيته» بتغيير وجهته والذهاب بعيداً نحو الأمركة، فإنه من الصعوبة بمكان على الشعب الأميركي الغارق في الديموقراطية والعلمانية أن يظهر قبولاً وثقة بنظام ثيوقراطي - راديكالي. لكن السؤال يبقى: لماذا يخاف العرب وبخاصة دول الخليج من تقارب أميركي - إيراني؟ ولماذا يظنون بأن المصالحة بين واشنطن وطهران ستنعكس بالسلب على دول المنطقة السنية؟! في تقديري، أنه لو حصلت مصالحة بالفعل بين الدولتين - وهذا أمر مستبعد جداً حالياً - فإن مكاسب دول الخليج ستكون أضعاف خسائرها. فالالتحاق بالركب الأميركي سيهذب سلوك إيران الدولي ويجعلها ملتزمة بما تفرضه عليها أدبيات «الدول المعتدلة»، وسينفي من المخيلة الشعبية الإيرانية مفهوم «الشيطان الأكبر»، ممهداً الطريق لسقوط فزاعة العدو الافتراضي الذي ظلت النخبة الدينية الحاكمة في إيران تسند طولها عليه وتتكئ على وجوده، جاعلة منه مبرراً لوجودها! * كاتب وصحافي سعودي [email protected]