قد يكون قطاع الغاز المنزلي هو الأهم بين السلع المحتكرة في لبنان (وما أكثرها)، وقد يكون أكثرها منذ عقود، استغلالاً للمواطن. والاحتكار عموماً يجد بيئة حاضنة في أي مجتمع عندما تتهاون الدولة في تنفيذ القوانين، وبالتالي تتوانى عن الحفاظ على مصلحة الناس، وما تنتجه الاحتكارات من عواقب سلبية على الاقتصاد وقطاع العمل. هذا الوضع لم يكن كذلك قبل أحداث عام 1975، إذ كانت شركات الغاز تملك قواريرها المعدنية وتوفر لها الصيانة وتلغي ما يفسد منها وتستبدلها بقوارير جديدة، وكان لكل شركة علامة تجارية خاصة بها وتعتمد لوناً مميزاً لطلاء قواريرها، ما يحدد هويتها وانتماءها للشركة. وبعد عام 1975 تخلت الشركات عن قواريرها وباعتها إلى المستهلكين ولم تعد مسؤولة عنها. وكان إنتاج مصفاتي طرابلس والزهراني من الغاز المنزلي (LPG) يغطي 45 في المئة من حاجة السوق، بينما تتولى شركات تملك خزانات ومنشآت في المرافئ، استيراد الكميات المتبقية. - إن معظم الطلب على القارورة زنة 12,5 كيلوغرام كان مخصصاً للاستخدام المنزلي واليوم تطرح في السوق قارورة زنة 10 كيلوغرامات معتمدة في التسعير فقط. - إن إنتاج المصفاتين من الغاز وبقية المشتقات النفطية كان ملكاً لشركات النفط الكبرى مالكة المصفاتين. وهي كانت تتعاقد مع بعض شركات الغاز للتزود بها من إنتاج المصفاة. أما اليوم فلم يعد هناك إنتاج من المصفاتين، وصار لبنان يعتمد كلياً على الاستيراد. وأصبحت صورة قطاع الغاز المنزلي الاحتكارية كالآتي: - أصبحت شركة «نفطومار» المؤسسة في لبنان عام 1972، المستورد الوحيد للغاز المنزلي بفضل تعاقدها مع معظم المصافي في حوض المتوسط لشراء كل إنتاجها. ووفق نظام إنشائها ورخصتها القانونية تنحصر تجارتها بالغاز في حوض البحر المتوسط ولديها أسطول من بواخر ناقلات الغاز. وهي التي تزود شركات الغاز التي تملك أجهزة لتعبئة القوارير وتوزيعها. - تستند إدارة الجمارك في استيفاء رسوم ناقلات الغاز، على بوليصة الناقلة ذاتها وهي ملك للشركة، بينما تعتمد طريقة القياس الفعلي للكميات التي تسلمها إلى الشركات الأخرى. ولدى «نفطومار» خزانات للغاز كما لديها شركة لتعبئة القوارير وتوزيعها في السوق المحلية خلافاً لشروط تأسيس الشركة والتي تحدد نطاق نشاطها التجاري في البحر المتوسط. ما يعني أنها تستورد الغاز وتنقله ببواخرها الخاصة وتزود به شركتها للتعبئة والتوزيع. - من خلال هذه الحلقة المحكمة يطرح سؤال أو أكثر عن ثمن الغاز وكلفة نقله وكلفة إجراء المعاملات المتعلقة بالمراحل التي تسبق تحديد سعر بيع قارورة الغاز إلى المستهلك. - تخلت شركات الغاز عن قواريرها وباعتها إلى المستهلكين مع بداية أحداث 1975 لقاء 8 دولارات للقارورة الواحدة، وبذلك أصبحت الشركات غير مسؤولة عن صيانة القوارير واستبدال الفاسد منها، ويُقدر عدد القوارير القديمة والمنتهية الصلاحية بستة ملايين قارورة هي مصدر الحوادث المؤلمة التي يتعرض لها المواطنون. علماً أن ثمن القارورة المعدنية الجديدة لا يقل عن سبعين ألف ليرة. - عند وقوع أي حادث حريق ناتج من فساد القارورة أو سوء استعمالها، تبقى المسؤولية غير معروفة لأن كل قوارير الغاز تكاد تكون متشابهة ومجهولة الانتماء. تسود قطاع الغاز المنزلي فوضى منظمة لاستغلال المواطن اللبناني. لذلك تبدو واجباً إعادة النظر بالقطاع وإرغام شركات الغاز على إجراء عقود تأمين، تشمل إلى جانب موظفي الشركات وعمالها ومنشآتها، زبائن الشركات وممتلكاتهم. وقد يكون إنشاء مكتب لإدارة شؤون القطاع والرقابة الصارمة على مختلف مراحل الاتجار بالغاز المنزلي أمراً أساسياً. على أن الأهم كمرحلة أولى هو مكافحة هذا الاحتكار ووضع حد للاستغلال. هناك قوانين تخول وزارة الاقتصاد والتجارة (مصلحة حماية المستهلك) مكافحة أي مجموعة احتكارية في لبنان. فالمادة 14 من المرسوم الاشتراعي رقم 73 تاريخ 9/9/1983 تعتبر احتكاراً: - كل اتفاق أو تكتل يرمي للحد من المنافسة في إنتاج السلع والمواد والمنتجات أو شرائها أو استيرادها أو تصريفها، ويكون من شأنه تسهيل ارتفاع أسعارها ارتفاعاً مصطنعاً أو الحؤول دون خفض هذه الأسعار. - كل اتفاق أو تكتل يتناول الخدمات بغية الحد من المنافسة في تأديتها ويكون من شأنه تسهيل ارتفاع بدلاتها اصطناعياً أو الحؤول دون خفض هذه البدلات. وتنص المادة 71 وما يليها من المرسوم الاشتراعي 73/83، على إعطاء رئيس مصلحة حماية المستهلك وأفراد الضابطة العدلية، مهمة ضبط جرائم الاحتكار وتنظيم محاضر الضبط بحق المخالفين. * كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية - بيروت