خسارة مقعد نيابي واحد، لا تعني الكثير في معادلة الغالبية والمعارضة في المغرب. لكنها بالنسبة إلى الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) ضربة موجعة، كونها المرة الأولى التي يخسر فيها نزالاًً سياسياً مع غريمه «الاستقلال» المنسحب من الحكومة. عدا أن أجواء التعبئة التي رافقت اقتراعاً جزئياً على مقعدين، أضفت على الانتصار والهزيمة أبعاداً أكبر من إضافة رقم أو حذفه. منذ البداية كان واضحاً أن المسألة أقرب إلى تمارين في الاستعداد لجولات انتخابية قادمة، أكانت في نطاق استحقاقات مبكرة، قد يفرضها استمرار المأزق الحكومي، أو في سياق استحقاقات البلديات والجهات المؤجلة إلى موعد لم يتحدد بعد. واختار رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران أن ينزل شخصياً لمساندة مرشح حزبه، كما فعل غريمه الأمين العام للاستقلال حميد شباط. فيما أقر الاتحاد الاشتراكي والاستقلال باعتبار مرشحيهما خطوة أولى لبلورة معالم تحالف جديد، يضع في اعتباره مواجهة الحكومة أولاً وأخيراً. اختراق رمزي. لكنه يقاس بالأجواء التي هيمنت على الاقتراع. أقربها أن صورة الحكومة الإصلاحية التي يقودها الحزب الإسلامي تعرضت لبعض الخدش. ذلك أن رفع أسعار الوقود، مهما كان جزئياً ومحدوداً، يخلق الانطباع بعجز السلطة التنفيذية عن إقرار حلول بديلة لمواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية. فيما أن الوضع الحكومي بحكومة نصف مكتملة، تنشغل بتأمين غالبية نيابية أكثر من تغليب صفحات الوعود الإصلاحية، ترك أثراً لا يمكن التقليل من مضاعفاته، كونه يعكس حالة غير مستأنسة في العمل الديموقراطي، تشير إلى تململ حقيقي ينسحب على كل مجالات أدائها. بالنسبة إلى حزب الاستقلال، يبدو أن عودته إلى صفوف المعارضة أنعشت حظوظه وسط الناخبين. بينما يشكل الموقف بالنسبة إلى الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) حرجاً لم يكن يتوقعه في سياق رهانه على ثقة الناخبين. وبات مؤكداً أن الشركاء السياسيين في الموالاة والمعارضة سيحسبون ألف حساب قبل ترجيح خيار الدعوة إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها. وإذا كان ثمة حزب ربح الرهان من دون مجازفة، فهو الحركة الشعبية التي لم يتأثر وضعها داخل الائتلاف الحكومي. فهي أشبه بمن يقطف ثمار أتعاب الآخرين. لم يفلح الاتحاد الاشتراكي في انتزاع مقعد مثل حليفه الاستقلال. والراجح أنه يرغب في اقتناص غنيمة أكبر، من خلال تنظيم تظاهرة احتجاجية حاشدة ضد الحكومة، فهو يتطلع إلى دعم نقابي واجتماعي وحزبي لتشكيل جبهة مناهضة للسلطة التنفيذية، بأمل الإفادة من التململ الاجتماعي. وفي المحصلة إن حكومة عبدالإله بن كيران تواجه النيران المفتوحة من كل اتجاه. ليس أقلها الصعوبات التي تعترض تشكيل الطبعة الثانية للتجربة، وهيمنة ثقافة الاحتجاجات على القرارات التي اتخذتها. إذا كان رئيس الحكومة عمد إلى وضع الخطوط العريضة لمشروع الموازنة المالية القادمة، في إشارة إلى استمرار حكومته، فإن ذلك لا يلغي أن معطيات داخلية وإقليمية أثرت في صورة تجربة كان يعول كثيرون على أن تضع أسس جيل جديد من الإصلاحات الهيكلية، ضمن الشعار الذي رفعته حول «الحرب على الفساد». وبالمقدار الذي ساهمت خلافات التدبير بين شركاء الائتلاف في تقديم مشهد متصدّع وباهت، بالمقدار الذي ألقت تطورات الأوضاع في مصر وتونس بظلالها على المشهد المغربي. أكان ذلك عبر تلافي تكرار الأسباب التي أدت إليها، أو في نطاق تقويم أداء الحركات الإسلامية في الحكم. لم يكن الذهاب إلى اقتراع جزئي، لن يغيّر في موازين القوى بين الشركاء السياسيين، سوى الدليل الإضافي على أن صناديق الاقتراع باتت تؤرّق النخب السياسية. قد يعزى ذلك إلى الصدمة التي أحدثها اقتراع تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 حين هيمن حزب «العدالة والتنمية» على النتائج بفارق كبير يفصله عن الحزب الثاني، أي الاستقلال. وقد يفسر بالتأثير الذي أحدثته رياح الربيع العربي. والأهم أن انتخابات الخميس الماضي، ستدفع جميع الشركاء إلى معاودة النظر في بديهيات مواقع النفوذ الحالي. وأصبح مفهوماً أن حزب الاستقلال تحديداً لم ينسحب من الحكومة، إلا كي يعود إليها من الباب الواسع، في حال مالت إرادة الناخبين إلى فائدته. كما أن «العدالة والتنمية» لن يغامر بالدعوة إلى إجراء انتخابات سابقة لأوانها، في حال لم يتأكد من حظوظه في احتلال الواجهة. وكما لم يجد عبدالإله بن كيران بديلاً من طلب ود تجمّع الأحرار الذي لم يكن يلتفت إلى وجوده قبل الأزمة الحكومية، فإنه إن خلف نفسه في رئاسة الحكومة أو واصل أداء مهماته، من دون تغيير، سيكون مضطراً إلى التزام سياسة اليد الممدودة نحو آخرين. ومن حسنات تحولات مصر وتونس أنها فتحت العيون على ضرورات إقرار تعددية حقيقية، يمكن أن تضم كل الأطياف الحزبية، في إطار التزام شرعية العمل السياسي. إذ لا تستند الأحزاب إلى مرجعيات دينية أو عرقية أو جنسية أو لغوية، بل إلى أفكار برامج وآليات تنفيذ قابلة للحياة والتطور. وأفضل للحكومة أن تعاني أزمة من أن يصبح الحزب القائد عنواناً لتلك الأزمة. وثمة مخارج لم تجرب بعد على طريق التطبيع مع خيار التداول السلمي على السلطة، حين لا يسقط دور المعارضة من الحسبان.