تقول الموسوعة العلمية إن للأخطبوط ثماني أذرع تمكنه من التعرف إلى شكل الأشياء التي يرغب في التقاطها ومن ثم التهامها. وتشير الموسوعة التاريخية إلى أن للجماعة عدداً غير معروف من الأذرع الطويلة تسمى «محركات»، كل منها مزود بعدد هائل من الشفاطات وأجهزة الرصد ومعدات التكتيك تمكنها من التعرف إلى شكل الأشياء التي ترغب في التقاطها ومن ثم التهامها. ويلوح بعضهم إلى أن أبرز ما تتفنن فيه جماعة «الإخوان المسلمين» وأكثر ما يميزها قدرتها المستمرة على تخليق أذرع جديدة وإحلال أذرع قديمة وتبديل أخرى عتيقة بما يستجد من أذرع تخدم الفكرة وتمهد للخطة وتساعد على بلورة الحيلة وتفعيل المكيدة، وهذا ليس من المبالغة في شيء. فمن أذرع دعوية وأخرى خيرية وثالثة تعبوية ورابعة إعدادية على مدار ما يزيد على ثمانية عقود منذ نشأة الجماعة، إلى أذرع جهادية وأخرى تكفيرية وثالثة مستكينة وديعة فاتحة أحضانها لمداهنات ومواءمات مع السلطة ورابعة معلنة اكتفاءها بالدعوة إلى الدين الحق والتزام المنابر غير الخالطة لفضائل الدين وموبقات السياسة، إلى مرحلة جديدة وغير مسبوقة من أذرع الجماعة التي خرجت إلى النور مع بزوغ فجر كانون الثاني (يناير) 2011، فقد تفجرت أذرع محَرِمة للخروج على الحاكم متوازية ومتزامنة ومتواءمة، رغم ما يبدو في ظاهرها من تناقض، مع أذرع غاضبة ثائرة فائرة مطالبة بالنزول إلى ميدان التحرير لتكون جزءاً لا يتجزأ من الثورة وهما الذراعان المعاصران لأذرع أخرى كثيراً ما روجت لفكرة وقوع الجماعة ضحية للاضطهاد وفريسة للانقضاض ولقمة سائغة للأشرار. ومع إسقاط النظام سطعت شمس الجماعة، وهو ما يوجب أذرعاً جديدة تناسب مقاساتها بينما تجلس على كرسي السلطة، فالجماعة ذات الترتيب الهرمي والتنظيم النسقي لا تعرف للانسلاخ معنى أو للاستقلال مغزى. فمن ذراع رئاسية في القصر الرئاسي، إلى ذراع حزبية على هيئة حزب غالبية، إلى ذراع مساعدة متجسدة في أحزاب دينية، إلى ذراع تمكينية لإحكام القبضة والتأكد من هيمنة نخبة الجماعة على مقاليد الدولة ومفاصلها، إلى أذرع ترهيبية ترويعية مهمتها التهديد والوعيد لكل من قد تسول له نفسه انتقاد الذراع الرئاسية أو الحزبية أو الرأس القابعة في مكتب الإرشاد في المقطم. وتصور البعض خاطئاً أن «الانقلاب الشعبي» على الجماعة في 30 حزيران (يونيو) الماضي من شأنه أن يجتث الأذرع ويقتص من أصابعها، إلا أن العكس هو الصحيح. فقد تبعثرت الجماعة وتشرذم هيكلها التنظيمي والتأسيسي، لكن بقيت الأذرع مستمرة في أداء عملها، وإن تغيرت أشكالها وتبدلت غاياتها ما استوجب أذرعاً جديدة فريدة من نوعها. وتفجرت ينابيع الأذرع الوليدة التي على رغم خلخلة جذورها بالضربات الموجهة المتوالية المصوبة على جسد الجماعة، فإنها خضعت لعملية تكاثر وتوالد غير مسبوقة في تاريخ الرخويات ذات الأذرع المتعددة أو العناكب ذات الأرجل المتشعبة، فظهرت ذراع الحمائم حيث تأكيد على مدار اليوم أن الجماعة لم تنتهج يوماً إلا منهج الديموقراطية ولم تمتثل ساعة إلا للحوار الوطني ولم تعتنق مبدأ إلا كل ما يصب في مصلحة المصريين، كل المصريين، وأنها ستظل إلى أبد الآبدين فاتحة أبوابها للحوار والنقاش والتفاهم والتواصل. وظهرت في المقابل ذراع الصقور حيث تأكيد على مدار اليوم أيضاً أن زمن «طبطبة» الجماعة على أعدائها قد ولى وأدبر، وأن الجماعة قوية بالله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) ورجالها الأشداء وشبابها الأقوياء وحرائرها من الأخوات وأطفالها من حاملي الأكفان، وأنه لا مجال للحوار أو النقاش أو المصالحة مع من أزاحها بعيداً من كرسي السلطة الذي ظلت تحلم به منذ نعومة أظافرها. ولأن الصراع الذي تواجهه الجماعة في أعقاب «الانقلاب الشعبي» في 30 حزيران الماضي بات صراع جماعة في مواجهة شعب، كان لزاماً عليها أن تسهل عملية توالد مزيد من الأذرع، فظهرت ذراع مخاطبة الخارج تارة بدموع الحمامة المذبوحة، وتارة بمهارة الصقر الذي يخاطب الأميركيين بلكنة أميركية ويحدّث الأوروبيين بلغة الحقوقيين ويخطب ود المنظمات الأممية بتذكيرها بالمعاهدات وتنويرها بالهتافات والوقفات والمسيرات. ويظل الداخل محتاجاً إلى أذرع ذات تركيبة مختلفة، فالذراع الدينية مطلوبة لتحوير «انقلاب الإرادة الشعبية» على حكم «إخواني» إقصائي إلى «انقلاب عسكري» مدعوم من العلمانيين الكفرة لطمس هوية الدولة الإسلامية وفتح الباب أمام زواج المثليين ونشر الدعارة وترويج الموبقات. وبما أن قواعد الجماعة تحوي من لديه القدرة على التفكير والتفريق بين الوهم والواقع، وبين الخيال العلمي والخيال غير العلمي، فقد وجدت ذراعاً أخرى تناسب أولئك حيث الدق على أوتار الشرعية والنقش على جدران الشريعة. شعارات «رابعة» الأردوغانية الصفراء وكتابات «سيسي خائن» الجدارية الجدباء وصور فعاليات مجزرة الساجدين ومذبحة الراكعين تخاطب الذراع الشبابية التي تعول عليها الجماعة حالياً مصيرها في البقاء على الأرض أو العودة للعمل من باطنها، وهو ما قد يستوجب حينئذ أذرعاً سرية من نوع خاص تعيد إلى الأذهان أذرع الجماعة قبل ثمانية عقود. وإلى أن يتضح مصير أذرع المستقبل ويتحدد شكلها وعددها وفق الظروف المحيطة، تنشط أذرع الطوارئ للحالات الحرجة، حيث أذرع إعلامية عنكبوتية تنشر أخباراً كاذبة حيناً وصوراً من سورية باعتبارها من قلب مصر حيناً وتبث أخبار مسيرات مليونية وتظاهرات تريليونية ووقفات سنكليونية لشحذ الهمم وشحن الذمم. وهناك ذراع تنظيمية داعية إلى زحف مقدس إلى التحرير أو عودة محمودة إلى «رابعة» أو ولادة فريدة في ميادين جديدة. ولا ننسى ذراعاً تحريضية تعمل في خفاء زوايا منزوية أو تجمعات منطوية حيث جهاد في سبيل الله بضرب قوات جيش هنا أو كفاح في سبيل نصرة الدين بقتل قوات شرطة هناك أو قصاص عادل من أجل الخلافة الإسلامية بتفخيخ هنا وقنبلة هناك. وبين هنا وهناك وذراع وأخرى تتأرجح الجماعة بين أذرع الشعب حيث البعض ممدود للاحتضان، والبعض الآخر مرفوع للدفاع، والثالث مستعد للتلويح بالوداع.