كثيراً ما يسمع أن منظمة ألأمم المتحدة تريد إجراء إصلاحات وتخفيض موازنات وكالاتها وترتيب أمورها. إلا أن الملاحظ أن سير الأمور في الأممالمتحدة في نيويورك أو في منظمة اليونسكو التابعة لها في باريس، بعيدة كل البعد عن الإصلاحات، فيكفي للمراقب الصحافي أن يصف ظروف عمل الصحافة العالمية التي تزور مركز المنظمة في نيويورك في أيام الجمعية العامة وخلال الخطابات المهمة التي تلقى، لكي تتأكد من أن هناك مشكلة كبيرة في تنظيم الإعلاميين، وهذا مستغرب جداً خلال أحداث بهذه الأهمية. تبدأ قلة التنظيم من حيث يأخذ الصحافي بطاقته التي تتيح له تغطية الأحداث. فإن كان محظوظاً ينتظر في صف لا نهاية له يستمر ساعتين على الأقل، في حين أن الصحافي يكون آتياً ل 48 ساعة لتغطية أعمال الرئيس الذي يواكبه. وبعد انتهاء عملية التسجيل للاعتماد، التي تتطلب أوراقاً ووثائق بلا نهاية، يتوجه الصحافي إلى القاعة المعدة للصحافة العالمية التي لا تسع عدد الصحافيين الذين يأتون لتغطية الجمعية العامة. فكثيرون يقفون وفي أيديهم آلة الكمبيوتر ويطبعون الأخبار وهم واقفون، هذا إذا عملت شبكة الإنترنت، التي كثيراً ما كانت تنقطع، فالفوضى غير معقولة لمنظمة لديها مركز في نيويورك، حيث التكنولوجيا وشبكات الإنترنت يفترض أن تكون من الأحدث في العالم، فالصحافي يتساءل فعلاً هل هو موجود في بلد حديث أم أن الاممالمتحدة نقلت معها إلى مركزها في نيويورك كل سوء التنظيم الذي تعاني منه الدول النامية. إن التسابق على أماكن الجلوس في قاعة الصحافيين كان فضيحة لمنظمة غير منظمة فعلاً وهي توصي بالإصلاح للجميع. أما بالنسبة إلى إحدى وكالاتها الأساسية، وهي منظمة اليونسكو التي تشهد يوم الجمعة انتخاب مدير عام لها من بين ثلاثة مرشحين، هم البلغارية ايرينا بوكوفا ومرشح جيبوتي رشاد فرح واللبناني جوزيف مايلا، فهنا أيضاً نرى كيف أن الإصلاح بعيد كل البعد عن هذه المنظمة الدولية. فتقول فرنسا إن التقليد هو إعادة انتخاب إيرينا بوكوفا لولاية ثانية تلقائياً رغم كل ما صدر عن ديوان محاسبة فرنسي ينتقد الإدارة فيها والشفافية والعجز، في حين أن الجميع يعترف أن المرشح اللبناني جوزيف مايلا هو الأكفأ لتولي هذا المنصب. ويحظى مايلا باحترام كبير لدى عدد من الدول، وهو لبناني أثبت قدرته في المجالات التعليمية في الجامعة الكاثوليكية في باريس ثم في الخارجية الفرنسية حيث عمل مديراً لقسم الاستراتيجية فيها. وبوكوفا كانت انتخبت في الولاية الأولى لأن المرشح المصري آنذاك وزير الثقافة السابق فاروق حسني الذي تبنى ترشيحه نظام الرئيس حسني مبارك، لم يكن مناسباً للمهمة، ومع ذلك فازت بوكوفا آنذاك بفارق صوت واحد بسبب حملة شرسة قام بها مبارك آنذاك لدى جميع رؤساء الدول الذين كانوا أصدقاءه. أما الآن، فالظرف يختلف، إذ إنه لا يوجد خلاف بين عدد كبير من أعضاء المنظمة على أن مايلا شخصية ثقافية وإدارية وسياسية قادرة ومرموقة، وأن ترشيح الرئيس سليمان له لهذه المهمة اختيار جيد، خصوصاً أنه يمثل الوجه المنفتح والمتعدد والمرغوب للبنان، فالمعركة للانتخاب تحتدم مع دول عدة تعترف أنه جيد ولكنها وعدت بوكوفا بالتصويت. فأين الإصلاح في تقديم التقليد في التجديد لمرشح لولاية اخرى على انتخاب مدير جديد بإمكانه رفع مستوى اليونسكو، خصوصاً انه يحظى بتأييد عدد من الدول العربية. إن اختيار مرشح عربي لهذه الدورة قد يمثل اختراقاً كبيراً للعالم العربي على الصعيد العالمي، حيث يدير مرشح عربي منظمة ثقافية وتعليمية في أيام عصيبة يعيشها العالم العربي. إن انتخابات اليونسكو ينبغي أن تكون على أساس القدرات والكفاءات وعلى النتائج وليس على تقليد في الأممالمتحدة إذا كانت المسألة تعود للإصلاح.