لا غنى للولايات المتحدة عن الحذر في التعامل مع إيران التي توسلت تكتيكات تأجيل ومراوغة والمفاوضات لتقطيع الوقت وتبديد أكثر من عقد من الزمن، طورت خلاله قدراتها النووية. وهدف التكنولوجيا النووية في إيران ليس وجاهة قومية فحسب. فطهران تحتاج إلى الأسلحة النووية لشد عود قوتها العسكرية التقليدية وتعزيز صدقية هذه القوة. وعلى رغم كفاءة القوات الإيرانية غير المتناظرة وجيشها الكبير، تفتقر طهران إلى سلاح جوي وبري حديث. فهي لا تهيمن على الخليج عسكرياً، وهي أكبر متحف عسكري في المنطقة، وصواريخها التقليدية تفتقر إلى الدقة ولا يسعها تهديد دول الجوار ما لم تزود برؤوس نووية. ولا غنى عن توضيح شروط الاتفاق مع ايران وبنوده، توضيحاً يضمن التفتيش المتواصل ويحظى بقبول دول 5+1. ورفع العقوبات الأميركية والأوروبية والدولية لا ينفك من النزول على هذه الشروط. الاتفاق مع إيران هو شأن الاتفاق مع سورية، أي فاتحة عملية طويلة الأمد. وخروج المفاوضات عن السكة المفترضة يسمح لإيران بحيازة ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي وتطوير مفاعلاتها أو نشرها في أمكنة متفرقة. ومثل هذه الخطوات يقوّض قدرة الضربات الوقائية الأميركية على تحجيم قدرات ايران النووية، ويفاقم غياب ثقة الحلفاء العرب وتركيا وإسرائيل والدول الأوروبية بالولاياتالمتحدة، في وقت تشعر واشنطن بأنها أخفقت في مصر وتظهر معالم الحيرة والتردد عليها في سورية والعراق، وتعاني إرهاق الحرب، وتعجز عن تذليل الخلافات الداخلية على الإنفاق الدفاعي والموازنة. وجوهر تحفّظ الحلفاء إزاء أميركا محوره نظريات مؤامرة تزعم أنها خانت العالم العربي وانحازت إلى ايران، وخسرت ثقة كل الدول العربية. ولا شك في أن مقايضة رفع العقوبات الأميركية والأوروبية والدولية بالتراجع عن الجوانب الخطيرة في البرنامج النووي الإيراني هي تمرين أو امتحان معقّد في ضبط السلاح، وإرساء الاتفاق مهمة عسيرة. ونسج علاقات طيبة بين أميركا وإيرانعسير كذلك، بسبب أحداث التاريخ القريب، من انقلاب مصدق في 1953 إلى حصار السفارة الأميركية في طهران طوال 444 يوماً، والاشتباك الخفيف على هامش الحرب الإيرانية - العراقية ودعم أميركا العراق في حربه ضد ايران بعد 1984. والتقارب متعذر كذلك نتيجة تعزيز ايران قواتها غير المتكافئة، وتلويحها بإغلاق الخليج وتهديدها إسرائيل وضلوعها في الحرب الأهلية في سورية، وتدخلها في لبنان والعراق والبحرين واليمن، وموقفها إزاء التعاون الأميركي مع مجلس التعاون الخليجي... وترى الولاياتالمتحدة أن نشاطات ايران في أفغانستان وأدوار «فيلق القدس» وغيره من الأجهزة الحكومية، هي أبرز أشكال إرهاب الدولة. لكن المفاوضات، إذا لم ترمِ طهران منها إلى تأجيل الضربة الأميركية والمضي قدماً في برنامجها النووي فحسب، هي الفرصة الأخيرة لتذليل الملف النووي الإيراني الذي بلغ مرحلة متطورة و«دقيقة»، وهي الحل الأجدى. * محلّل وباحث، عن «سنتر فور ستراتيجيك اند انترناشيونال ستاديز» الأميركي، 23/9/2013، إعداد منال نحاس