عاش لبنان أمس تحت وطأة مأساة وفاة عدد كبير من اللبنانيين المهاجرين بفعل غرق عبّارة كانت تقلهم من أندونيسيا الى أستراليا، بعدما تعطلت في عرض البحر قبل ايام، وتكشفت الفاجعة التي منيت بها قرى في منطقة عكار الفقيرة عن وفاة عائلات بأكملها لم ينج منها غالباً سوى شخص، فيما استنفر كبار المسؤولين لإجراء اتصالات من أجل تأمين وسائل استعادة جثامين من قضوا ومن بقي على قيد الحياة الى لبنان، من رحلة الموت سعياً وراء لقمة العيش. وبموازاة المأساة في الشمال، قتل أمس 5 اشخاص في مدينة بعلبك البقاعية وجُرح 5 آخرون في اشتباكات وقعت بين عناصر من «حزب الله» وإحدى العائلات في المدينة على خلفية خلاف وقع على حاجز تفتيش للحزب في سوق المدينة التجاري في إطار التدابير التي يقوم بها تحسباً من السيارات المفخخة والتفجيرات. وما لبث إطلاق النار أن توسع بعد سقوط أول قتيل من مسؤولي «حزب الله» وأخذ الأمر طابعاً عائلياً، فيما دخلت وحدات من الجيش الى بعض شوارع السوق التجاري لكن الاشتباكات استمرت متقطعة. واستدعت التطورات في البلاد ترؤس رئيس الجمهورية اجتماعاً أمنياً مساء أمس حضره رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والوزراء المعنيون وقادة القوى العسكرية والأمنية. وإذ حجبت هذه التطورات الاهتمام بمعالجة العراقيل التي تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة، توقف مراقبون أمام تصريحات أدلى بها الرئيس سليمان أثناء وجوده في نيويورك وقال فيها إن «إعلان بعبدا» المتعلق بتحييد لبنان عن الأزمة السورية، «سيجد طريقه الى التطبيق عاجلاً أو آجلاً ولمصلحة الجميع»، كما توقفوا أمام قوله: «إننا بصدد العودة عن التدخل في سورية من كل الأطراف وتكليف الأجهزة الأمنية منع إرسال أو عبور مقاتلين باتجاه لبنان، ويجب أن نعمل على ذلك سريعاً، وأعتقد أنهم يفكرون بذلك جدياً». وذكرت مصادر رسمية أن الرئيس اللبناني يستند في كلامه هذا الى معلومات عن أن «حزب الله» يفكر بتخفيف إرسال مقاتليه الى سورية بعدما شارك بقوة في المعارك الى جانب الجيش السوري فيها. وأوضحت المصادر أن هذه المعلومات «تشير الى أن الحزب يقوم بذلك بهدوء ومن دون ضجيج، لأنه ينوي الإبقاء على جهوزية للتدخل بقوة في حال تطلب الأمر ذلك مجدداً». لكن مصادر قريبة من الحزب نفت ذلك. أما على صعيد مأساة العبّارة التي كانت تقل لبنانيين وعدداً قليلاً من السوريين من أندونيسيا الى أستراليا، فقد تبيّن أن عدد الضحايا اللبنانيين والمفقودين بسبب الحادث قد يبلغ 40 شخصاً. وبدأت النيابة العامة التمييزية التحقيق في القضية لملاحقة مدبري السفر بهذه الطريقة لتأمين الدخول غير الشرعي الى أستراليا لقاء مبالغ من المال تصل الى 10 آلاف دولار عن كل شخص. وتضاربت الأرقام حول عدد الضحايا، وقال رئيس بلدية قرية قبعيت حمزة عبود إن عدد الناجين 25 لبنانياً جرى التواصل مع بعضهم هاتفياً وإن عدد الذين سافروا على متن العبّارة قبل أن تغرق بهم كان 65 لبنانياً. وفي شأن الاشتباكات الدموية في مدينة بعلبك، تخوف كبار المسؤولين من أن تتوسع وتأخذ طابعاً مذهبياً. وأدت الصدامات الى حرق عدد من المحال التجارية والمنازل العائدة لآل الشياح في المدينة، ويقع الحي الذي يقطنون فيه داخل السوق التجاري. وذكرت معلومات أن بداية الاشتباكات حصلت نتيجة تراكم حوادث عدة بين «حزب الله» وبعض المواطنين، منهم أحد مسؤولي «الجماعة الإسلامية» في بعلبك. وفيما أعلنت قيادة الجيش عن انتشاره في منطقة الاشتباكات وملاحقة المسلحين، عقدت فعاليات المدينة اجتماعاً برئاسة مفتي بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي وصدر عنه بيان أكد أن «الحادث فردي أساء لتاريخ المدينة ومستقبلها». وإذ طالب وسائل الإعلام بتحري الدقة في نقل الأخبار، دعا الأهالي الى التهدئة ومحاصرة ما حصل وعدم السماح بتمدده ووقوع فتنة عمياء لا تبقي ولا تذر». وطالب القوى الأمنية بحفظ أمن المواطنين ومحالهم التجارية. وفيما كانت وسائل إعلامية قريبة من «حزب الله» أشارت الى أن الاشتباكات حصلت مع عناصر من «جبهة النصرة»، نفت فعاليات بعلبك في بيانها ذلك، وأكدت أن بعلبك خالية من أي عناصر من «جبهة النصرة». وكذلك أكد مفتي بعلبك الشيخ خالد صُلَح أن المدينة «لا تؤوي أي عنصر من جبهة النصرة كما روج بعض وسائل الإعلام». وقال إن الجيش انتشر في المدينة لكنه مشلول بسبب انتشار «حزب الله» المسلح والإتيان بعناصر من القرى المجاورة. وتحدث عن انتشار قناصة على الأسطح. وتعذر على الكثير من المواطنين الدخول الى المدينة منذ ظهر أمس، وقال المفتي صُلَح إنه كان خارج المدينة بعد الظهر ولا يستطيع دخولها. واتصل زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالرئيس سليمان وطالبه بمعالجة اشتباكات بعلبك ومضاعفاتها. وقرر الاجتماع الأمني الذي ترأسه سليمان مساء، وفق بيان رسمي صدر عنه، «اتخاذ التدابير الأمنية الحازمة لضبط الوضع الأمني في بعلبك ومنع الإخلال بالانتظام الأمني والحفاظ على السلم الأهلي وتوقيف المرتكبين وإحالتهم الى القضاء العسكري». وكان «حزب الله» قام بمداهمات في المدينة وأوقف بعض الأشخاص، فيما استمر تبادل إطلاق النار حتى ساعة متقدمة ليلاً.