يعيد كتاب «التياترجي» الصادر حديثاً عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر، الاعتبار إلى الفنان المصري الشامل منير مراد شقيق المطربة ليلى مراد. ويرى مؤلف الكتاب الشاعر المصري وسام الدويك ان التاريخ الفني لمنير مراد طُمس تماماً وتعرّض صاحبه ل «غبن كبير» اذ تخلو الارشيفات المتاحة من مواد تتعلق بما أنجزه من أعمال تبلغ نحو 3 آلاف لحن غناها مطربون مهمون بداية من محمد عبدالمطلب وعبدالحليم حافظ وشادية، وصولاً الى صباح وشقيقته ليلى مراد ووردة وعفاف راضي. ولا يزعم الدويك ان تغييب مراد كان مقصوداً بسبب أصوله اليهودية، لكنه يثير تساؤلات عن غياب وثائق تؤكد امتلاك مراد أوراقاً تثبت جنسيته المصرية، ويرى أن غيابها لا يعني ان مراد لم يكن مصرياً حتى النخاع. منير مراد من مواليد 13 كانون الثاني (يناير) 1922 وتوفي في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 1981، وكان زوجاً للممثلة المعتزلة سهير البابلي، ووالده زكي مراد احد ابرز اعلام الموسيقى العربية في النصف الاول من القرن العشرين. وتميز في تلحين الأغنيات الخفيفة والمرحة، وقدّم أكثر من دويتو مع شادية وعبدالحليم حافظ. لعب في بداية حياته أدوار البطولة في عدد من الأفلام السينمائية، كان أشهرها «نهارك سعيد». يسخر المؤلف من المعلومات المتداولة على الانترنت التي تشير الى أن مراد غادر مصر ومات شريداً في المنفى، وعاش سنواته الاخيرة معزولاً بسبب أصوله اليهودية. إلا أن صاحب «التياترجي» يؤكد بالوثائق ان مراد أسلم في العام 1949، وقبل سنوات من زواجه بالفنانة سهير البابلي خلافاً لما هو شائع في هذا الشأن، كما ظل محتفظاً باسمه الأصلي وهو موريس في بدايات عمله في الفن ولم يغيره الا بعد سنوات من عمله في السينما مساعداً للإخراج في العام 1949 في مناخ اتسم بالتسامح الديني في مصر وبدور فعال لعبه اليهود المصريين في اثراء الحياة الفنية وبالتالي لم يكن هذا التغيير نتاج أي شعور بالاضطهاد. ويرى نقاد الموسيقى أن منير مراد من المجددين نظراً إلى اعتماد موسيقاه على التنويعات الغربية، اذ نهل من موسيقى الجاز ومن السلّم الخماسي وموسيقى البلوز، ووضع أشهر موسيقى الرقصات والاستعراضات لتحية كاريوكا وسامية جمال. ونال وسام الجمهورية من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1966. نزعة تجديدية وعلى رغم الشهرة التي تمتع بها، عاش فقيراً وعانى من سوء حظ كبير بسبب ما يعتبره الدويك «نزعة تجديدية» لم تكن موضع حفاوة من منتجي عصره، فضلاً عن طغيان شهرة شقيقته ليلى مراد، وهي شهرة لم يجن منها الكثير بل ان خبر وفاته نشر بشكل هامشي بسبب اهتمام الصحف آنذاك بخبر تنصيب الريس المصري المعزول حسني مبارك. ويشير الكتاب الى ان ثمة ألغازاً في حياة منير مراد، منها مزاعم روجت لها بعض الصحف بعد وفاته حين أكدت انه لم يحمل أي وثيقة تشير إلى هويته المصرية. والغريب انه تنازل عن جواز سفر مغربي أهداه إيّاه الملك الراحل الحسن الثاني لدى زيارة قام بها للمغرب برفقة عبدالحليم حافظ، لكنه تنازل عنه. إلا أن مراد كان يسافر بتذكرة مرور تجدَّد بتصريح من السلطات المصرية، وهو أمر يرى المؤلف انه بحاجة إلى إيضاح من السلطات ومن أسرة الفنان الراحل. ويلفت الكتاب الذي يضم صوراً نادرة لمنير مراد إلى أنه شكل حالة خصوصاً في السينما المصرية فقد اعتُمدت في فيلميه الشهيرين «نهارك سعيد» و «أنا وحبيبي» فنون الاستعراض وفنون المسرح وسعى الى محاكاة ما كان شائعاً في السينما الاميركية آنذاك، الى جانب اعتماده على الكوميديا الخفيفة، وتناوله المتكرر لموضوع الصعود الطبقي والانتصار لهموم الفقراء وتعميق فكرة الانتماء الوطني بغض النطر عن الطائفة أو الدين، وهي فكرة تكرّرت في الافلام التي قدم فيها استعراضات مثل «موعد مع ابليس» و «بنت الحتة»، ما يعني انه سعى الى تقديم نسخة مصرية من تشارلي شابلن ومحاكاة الممثلين من أمثال دين مارتن وداني كاي. ويشير الدويك في كتابه الذي قدم له الكاتب الدرامي محفوظ عبدالرحمن الى ان مراد تزوج ثلاث زيجات في حياته، كانت زوجته الاولى يهودية أنجب منها ابنه الوحيد زكي الذي هاجر الى أميركا برفقة أمه التي لم ترض عن اسلام زوجها وظل ابنها محتفظاً بديانته ولم يغيرها. اما الزوجة الثانية فهي الفنانة سهير البابلي وتزوجها عام 1958، وكانت الثالثة سيدة من خارج الوسط الفني لازمته في العام الذي سبق وفاته. ويدعو الدويك الجهات المعنية في مصر الى تكريم منير مراد وإقامة متحف لأعماله الموسيقية والسينمائية، وأرشيفه من الصور والبرامج الإذاعية التي شارك فيها وشكلت مصدراً مهماً من المصادر التي ساعدت الدويك على إنجاز كتابه.