أعاد العرض الافتتاحي لمهرجان «حكايا» في دورته السادسة التي استضافتها العاصمة الأردنية، الاعتبار إلى «الحكاية» كأداة وصل وتواصل، في ظل الهيمنة الكاسحة ل «الصورة» في الميديا. والمهرجان الذي نظمه «مسرح البلد» و «الملتقى التربوي العربي»، في رعاية أمانة عمّان الكبرى، حمل اسم «يا همّا لا لا»، وهو عرض مسرحي مونودرامي، برع ممثله ومعدّه ولاء السبيت في تجسيد حكايته، وفق حوارات من الموروث الشفهي الشعبي للشخوص الكثيرة التي قدمها، إضافةً إلى الأغاني والرقصات الفولكلورية التي أنشأت من حيث جمالياتها، المبنى والمعنى لهذا العرض الذي شد الحضور حتى انتهاء الفعل الدرامي. المسرحية التي بدأت أحداثها بموّال للسبيت شكرَ فيه أهل عمّان على استضافتهم إياه، هدفت إلى تبيان أصل استخدام الكلمات الشعبية الشفاهية في أغنية «يا حلالي ويا مالي»، على صعيد البناء السطحي للعرض، ومن جهة أخرى في إدانة معناها في الراهن - وفي البناء العميق - للاحتلال الإسرائيلي فلسطين. برع السبيت في توظيف الحكاية التي نسجها تصميم الظلال والألوان والدبكات والكلمات والأصوات التي تتناسل من الذاكرة الشعبية، محيلةً إلى قصص تمرد الفلاحين الذين كانوا يعيشون في الساحل الفلسطيني إبان الفترة التركية. فظهرت الحكاية كوسيط علاماتي يصف العمران البشري بما يعج به عبر أحداث تلك الفترة وأمكنتها وأزمنتها، لكن بعدما فككها خيال المتلقي، خصوصاً إثر اختفاء هذا العمران، يُعاد تركيبها في إحساسه وعقله في الراهن، لتغدو الحكاية حاضنةً لهذا العمران الذي أفل أو يكاد. وهذا ما حدث مع الفلسطينيين، إذْ تتضاءل فلسطينهم تدريجاً أو تتوارى، فيما يكبر أدبهم عنها ويتضخّم. لذا، كان المؤدي يرحب بالحضور في أرض فلسطين (أرض الحكاية)، كقوله في أغانيه: «أهلا فيكم في أرضكم فلسطين، صُبّوا قهوة...»، وإلى غير ذلك من الأغاني الشعبية والدبكات التي ظل المعنى يلح فيها على تجسيد هذه الأرض بما تحويه من عمران، في الفضاء الدلالي للحكاية. هواجس ضمن القراءات الأدبية، قدم المصري محمد المحمدي مجموعة قراءات في عنوان «هواجس»، فاختار من تأليفه قصيدة وفصلاً من رواية، واستعاد مقامة قصيرة لبيرم التونسي، عاين من خلالها معاناة المثقف الفقير في مصر، وتشظيه في إنشاء علاقات اجتماعية تتنازعها ثقافته الشرقية، والأخرى الوافدة (الغربية)، فضلاً عن تبيان الخسائر اليومية التي تهدر عمر الإنسان المهمَّش سياسياً واقتصادياً. واستضاف المهرجان اللبنانية سارة قصير في حكايات شعبية من التراث الشفهي اللبناني، مأخوذة من قصص الجدّات غير الموثقة في أيّ نصوص مكتوبة. كما استضاف ماتس رينمن من السويد، الذي دعا الجمهور إلى مواجهة المشكلات الحياتية بدلاً من الهروب منها. وعادت الحكواتية المصرية عارفة عبد الرسول التي شاركت في الدورة السابقة للمهرجان، لتحكي القصص المتجددة ل «عارفة وأخواتها» التي تتناول مشكلات المرأة مع العادات والتقاليد التي تحدّ من انطلاقتها وتطورها النفسي والاجتماعي. وتضمنت العروض المسرحية عرضاً مشتركاً جمعَ بين فلسطين وبريطانيا في عنوان «سِنْسُورد»، قدمته ممثلتان في أداءٍ صامت طرحته لغة الإشارة ونبرات الصوت والحركات الإيمائية، ودانت رسائله القمع السياسي. ومن مصر، قدمت فرقة الورشة المسرحية «زوايا: شهادات من الثورة»، كما قدمت سعاد نوفل مسرحية «شمس» التي أخرجها وائل قدور، والتي تناولت العلاقات النفسية بين زوجين وانتحار الزوجة التي أُرغمت على الزواج في ظروف اجتماعية معقّدة. أما فعالية «الحكايا تسافر»، التي قُدمت ضمن القراءات المسرحية والأدبية، فسلّطت الضوء على معاناة الفلسطينيين الذي يحملون «وثيقة سفر»، خصوصاً على الحدود في معظم دول العالم. وأقامت مبادرة «مدينتي وأنا» ومبادرة «سفر - فلسطين» جلسة حوار بين مدينتين: السلط ونابلس (بالتعاون مع سينما ومسرح السلط)، طرحت من خلالهما حكايات المدن وليس الناس فقط، لجهة القرابة بين العائلات، والتبادل التجاري، والتوأمة بين المدينتين. كما عُقدت جلسة حوارية مشابهة بين الكرك والخليل. وكان ل «أفلام الحكي» نصيب في المهرجان، عبر مجموعة أفلام قصيرة أنجزها شبان وشابات من مخيم الطالبية ضمن مشروع توثيق الذاكرة الفلسطينية، وفيلم «حكّاء الحقبة الجديدة» الذي أخرجه «فرنسوا فيرستر» من جنوب أفريقيا والذي جعل من سيرة فرقة الورشة المسرحية المصرية ثيمةً له، وتناول الأملَ الذي أصبح حقيقةً عند المصريين، في الفترة الممتدة من إطاحة نظام حسني مبارك إلى ما قبل إزاحة محمد مرسي. وضم المهرجان عدداً من الورش التدريبية للشبان والشابات بإشراف مدرّبين وحكواتيين محترفين.