تباينت العبارات التي كتبها الأفراد للوطن على "تويتر" و"فيسبوك" بذكرى اليوم الوطني بين السلبية والإيجابية، فهناك من ينظر إلى الوطن من منظوره الشخصي، المرتبط بمعيشته الحياتية، وهناك من ينظر إليه أنه هو "الأرض"، والتراب الذي نشأ عليه الإنسان، بصرف النظر عن أي مصالح شخصية أو ذاتية، وهنالك من يرى أنه قطعة من الأرض يمكن الاستغناء عنها إذا ما توفر البديل الذي يلبي حاجاته ومطامعه، ومنهم من يرى أن الولاء والانتماء يكون للعقدة وللإسلام، ولا يشكل الوطن له سوى قطعة أرض هامشية، هي جزء من خريطة كبيرة هي الأمة الإسلامية التي يكون الولاء والانتماء إليها مقدماً على الوطن. ومثالاً على ذلك، صاحب هذه العبارة التي كتبها على "تويتر"، إذ يقول: "الإسلام هو الوطن الكبير، عش به وفيه ولأجله، اجعله في قلبك إن استطعت، فقلبك هو وطنك احمله معك أينما شئت، فالمكان لا يهم"، يتضح أن صاحب هذه العبارة ممن يؤمنون بدولة الخلافة الإسلامية التي هي من أهداف "الصحونجية" و"الإخونجية" الذين يعملون لخراب الوطن الأم لصالح الوطن الكل، ولا يهمه أن تكون ولاية صغيرة أو حتى قاعدة تخريبية، لبناء وطنهم المأمول الذي يخططون له على حساب الأوطان الحقيقية، وهذا من فكر الإخوان المسلمين الذين تذوب الأوطان في فكرهم فلا وجود لها في قائمتهم ولا حساب لرفعتها، ونمائها في أعمالهم، فهم يروجون هذه الفكرة التي ينخدع بها الجهلة والسذج، لينجروا خلفهم، ومن هنا تأتي خطورة هذه العبارة الداعية للتفتيت، والخروج عن سقف الوطن، لوطن لا يوجد سوى في أحلامهم الوقحة لمحاربة وطنهم الذي لم يشفع له عندهم ظله وحمايته واحتواؤه لهم، وهذه آفة الجحود الصادر من فكر منحرف يؤلب على وطنه وترابه، ويهدد وحدته. هناك عبارة استوقفتني لما تمثله من كذب وافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقلب الحقائق لصالح فكرة الأممية، وتغليفها بغلاف الدين لاصطياد الرعاع والمدرعمين، ربما هي لواحد من ذوي الفكر الأحادي الذي عرفناهم بالغلو، والتطرف، من أجل الهيمنة على العقول الغافلة، يقول: "لو كان الولاء للمكان ما غادر النبي صلى الله عليه وسلم مكة، ولو كان للقبيلة ما قاتل قريش، ولو كان للعائلة ما تبرأ من عمه أبي لهب الولاء للعقيدة". هذا المروج للعقيدة والمنتصر لها نسي أنه بهذه العبارة قد لوّثها بفكره البغيض، فهو يعلم بأن عبارته كاذبة، وتأويلاته مبنية على الكذب، والعقيدة تحارب الكذب على الناس، فكيف على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يعرف تماماً أن الرسول لم يخرج من مكة إلا لأن أهلها وخصوصاً قبيلته حاربوه وآذوه، حتى أمره الله بالخروج منها، وهو يعلم أن الرسول، قال: "والله إنك لأحب أرض الله إلي، ولو لم يخرجني قومك ما خرجت منك"، وهو يعلم بأن الرسول والصحابة قتلهم الحنينُ لمكة عندما رحلوا منها، حتى أصيبوا بالمرض والحمى، وكانوا يشتكون للرسول من فقدهم مكة، فدعا الرسول: "اللهم حبب لنا المدينة كحبنا مكة، ويعلم بأن عمه أبا لهب قتله الله لعداوته للرسول، وتبت يداه. طبعاً هناك الكثير من العبارات التي تفيض بالحب والولاء، والأمنيات الجميلة للوطن وعزته ورفعته وعلو شأنه، فالولاء والانتماء إلى الوطن من الفطرة السليمة التي طبعت عليها القلوب الوفية، الناصعة بهوية الوطن، والانحياز له بصرف النظر عن أي مطامع ذاتية، فما تريد الأصوات المحرضة عليه سوى التأديب الذي أتمناه لهم. [email protected] @zainabghasib