قبل يومين قتل شابان (توفي أحدهما إكلينيكياً) بسبب مطاردة متهورة من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بسيارتهما ذات الدفع الرباعي المزودة بدعامات أمامية - تشبه أنياب الفيل - مخصصة للمطاردات. هذا ما حدث في اليوم الوطني ال83، أي بعد دخولنا عصر الدولة بما يقارب القرن، من أفراد رجال هيئة الأمر بالمعروف التي أنشأها الملك عبدالعزيز كي يحد وينظم اندفاع جماعة «الإخوان السعوديين» لتصحيح مظاهر عيش أهل الحجاز في تلك الفترة، وقد حرّموا عليهم شرب الدخان والغناء وآلات الطرب وتفاصيل خلافية يرون فيها مظاهر شرك وترف جاهلي. اليوم وبعد قرن من بناء دولة حديثة ساهم فيها رجال عظام ومضت عقود على سياسات مدنية من التعليم والتصنيع ونشأة مؤسسات الأمن الحديثة، مثل جهاز الأمن العام والمباحث، لا تزال هذه «الهيئة» تفاجئنا بأخطاء قاتلة. فلم تمضِ سنة على مقتل رب الأسرة الشاب، الذي خرج من أحد المتنزهات العام الماضي والذي لوحق بسبب رفعه صوت الموسيقى عالياً، أسفرت المطاردة عن انقلاب سيارته وموته وبتر يد زوجته، وقبلها «مطعون العيون» في حائل الذي تلقى طعنة بسكين من رجل هيئة، بعد مشادة أصر فيها رجل الهيئة على المرأة التي برفقته، والتي تلبس «برقعاً» أن تغطي عينيها، وانتهت القضية بإدانة الشاب المطعون لوجوده في سوق به نساء. هذه المرة طاردت سيارة الهيئة سيارة شابين في شارع رئيس وحيوي كبير في الرياض كي توقفها ولم يستجيبا، فقامت بصدمهما بسيارتهما أكثر من مرة - وفق إفادة شهود عيان - ما أدى إلى انقلاب سيارة الشابين من فوق الجسر بعد أن اصطدمت بسيارة أجرة، فمات الشاب الأول ودخل الثاني في موت إكلينيكي، وبدلاً من توقف سيارة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر لإسعاف الشابين ومواجهة المنكر الذي فعلوا، إلا أنهم هربوا! التحقيقات أسفرت عن عدم وجود شبهة مخدرات أو مسكر في دم القتيلين ولم يكن معهما أية فتاة. الحادثة أشعلت غضب الرأي العام تجاه مسلسل الاستهتار بالأرواح والمطاردات المتهورة، وخرجت عناوين الصحف باكراً تقول: «الإمارة تشكل لجنة تحقيق والشرطة تعلن عن شبهة جنائية للحادثة.. والهيئة تدعو للشابين بالمغفرة»، وكان الأجدى أن يقال إنها «تلطم»، فهو العنوان الأنسب. الدعاء وقلة الحيلة ليسا كل ما لدى «الهيئة» لتخبرنا به، بل قالت وعلى لسان رئيس «الهيئات»: «إن فصل موظف يتسبب بقتل إنسان ليس من صلاحيتها، بل منوط بجهات أخرى»، ما يؤكد أن الهيئة تنجح في رفع مستوى أخبارها إلى مصاف أفلام الخيال والرعب. الهيئة التي أظهرت ضعفها وقلة حيلتها في الملمات والمصائب، لم تكن كذلك حين أعلنت عن قوتها من خلال تصريحها على لسان رئيسها بأن موازنتها بلغت أكثر من 1,46 بليون ريال، وهي تعلن عن تزويد أفرادها بأحدث موديلات السيارات، ولو رأيت الصور الحديثة لسيارة الدفع الرباعي المزودة بدعامات أمامية بارزة مثل أنياب الفيل لظننت أنها ذاهبة إلى حرب! في عام 2002، تسبب حريق في مدرسة للبنات في مكة بمقتل 15 فتاة، قيل إن رجال الهيئة وراءه حين منعوا الفتيات من الاندفاع والهرب خارج المدرسة خوفاً من عدم لبسهن العباءة، فأشعلت الحادثة الرأي العام غضباً، لكن المسؤولية آنذاك تحملتها رئاسة تعليم البنات، وصدر مرسوم ملكي يقضي بإلغاء رئاسة تعليم البنات وضمها إلى وزارة التربية والتعليم، وخرجت الهيئة من المولد ببراءة. ورطة الهيئة هذه المرة تبحث عن مخرج، لكنكم لن تتخيلوا أي مهرب وجدته الهيئة. لقد رفعت قضية ضد شاهد العيان الذي صور المطاردة وقدم الشريط دليلاً على تورط أفراد الهيئة في الحادثة، فهو أثناء التصوير وحين شاهد انقلاب سيارة الشابين وتحت تأثير المشهد المروع تلفظ بألفاظ غير مهذبة ضد الهيئة، لم تستطع الهيئة تحمل هذه الألفاظ التي خدشت مشاعرها وهيبتها، فاشتكته للشرطة التي استدعته وحولته إلى هيئة الادعاء والتحقيق العام بتهمة القذف. «ويا سلام سلّم». [email protected]