في الأشهر الماضية، قبل مجلس الشورى وللمرة الأولى مناقشة العريضة التي تطالب بقيادة المرأة للسيارة في السعودية، وتضمنت 3000 توقيع من المواطنين والمواطنات من مختلف المناطق، وعادت قضية القيادة إلى ساحة الحراك من جديد، بخاصة بعدما كشف مصدر مسؤول في الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن أنه تم إبلاغ أعضاء الهيئة بمنعهم ملاحقة سيارات تقودها «نساء». هذا التصريح يأتي في إصلاح الطريقة التي يفكر بها العامة، وأعني من الناحية الدينية بصفة أن جهاز الهيئة يتمثل واجهة الإصلاح السلوكي والأخلاقي لأفراد المجتمع بحسب ما يرون، إضافة إلى أن مسألة التطبيع بدأت تتحرر نسبياً من بعض المعوقات التي كانت تغذي هذه الأزمة سلباً، إذ إنها كانت نتيجة جدل تياراتٍ فكريةٍ تتحدث عن منع المرأة من القيادة باسم الدين أو التقاليد أو المتحدث باسم حقها الإنساني. فالطور الذي أعنيه أن القضية تطورت من كونها شأناً اجتماعياً بحتاً، لكي تنتقل إلى حال أفضل، تجعلها تستظل بحماية مؤسسة من أهم مؤسسات الدولة، خصوصاً أن هذه المؤسسة تساند الشرطة في الناحية الأمنية. وما زلنا نتأمل أن يُتخذ القرار المناسب، لحسم هذه القضية ودعم حق المرأة فيها، وأعتقد أن المجتمع أصبح جاهزاً لتقبل هذا الأمر، ربما تحدث بعض الإشكالات، لكن اتخاذ الآلية المناسبة لتطبيق القرار ستساعد في زوالها، وقد يرى البعض أن التشدد الحاصل لا يشجع على ذلك، ولكني أرى أن نسيج المجتمع السعودي من وجهة نظري سهل التشكل، ونستطيع أن نتذكر الكثير من الأمور التي شكلت قضايا شائكة في الأعوام الماضية، أصبحت الآن في قالب العادات الاجتماعية المتعارف عليها، مثل: أجهزة استقبال البث الفضائي، وأجهزة الهاتف النقالة والمزودة بالكاميرا وغيرها. الأمر الآخر الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ألا يترك حق المرأة في هذا الأمر مرهوناً بموافقة المحرم أو مرافقته، لأن هذا سيحدث الكثير من الانتهاكات والتمييز في حق النساء، هذا باعتبار أن المملكة وقعت على المعاهدات الدولية التي تنبذ التمييز. إن ما يحاكيه واقع هذا الأمر ليس ترفاً، إنما هو تعبيرٌ عن ضرورة وحاجة ملحة، ستنعكس على الكثير من الإيجابيات في شأن المرأة، وهذا ما يساعد في إيجاد وضع أكثر أماناً للنساء والعائلات، وقد يفتح هذا المجال لتوفير خدمات أخرى، فمن الممكن أن تسمح قيادة المرأة فرصاً مناسبة لتوفير سائقات «التاكسي» مثلاً بعد تدريبهن وتأهيلهن لهذه المهنة، وهذه الخدمة ناجحة، وهي تُطبق في الإمارات، باعتبارها الخدمة الأولى المطبقة على مستوى الوطن العربي. وأخيراً، الإيجابي في الأمر أن الحراك وصل إلى درجة حضارية، لا يقف على ما تقرره الظروف الاجتماعية فقط، باعتبار أن أهم العوامل التي تحافظ على أمن النساء والعائلات في المملكة في تنقلاتهم هو اتخاذ الإجراء اللازم أفضل من بقاء هذه القضية «عالقة». [email protected] @alshehri_maha