في سباق الزمن بين الإرهاب والأمن يبرز بيت الشعر الجاهلي «الخير لا يأتي على عجل.. والشر يسبق سيله مطره»، فما يكاد المجتمع ينعم بسكينة، حتى يعكر صفوها فعلٌ متطرف ينكأ جراح أسر ضحايا تفجيرات العليا منذ تسعينات القرن الماضي حتى عاشوراء الماضي. ولم يعتد السعوديون قبل تشرين الثاني (نوفمبر) 1995 على سماع مصطلح «تفجير» في نشرات الأخبار الرسمية، على رغم ساعات بثها الطويلة آنذاك، إلا أن انفجار مكاتب البعثة العسكرية الأميركية في حي العليا وسط الرياض في ذاك الشهر كان انطلاقة لسلسلة من الأعمال الإرهابية، إلا أن اللافت فيها أن المجرمين أبناء للوطن. ورافقت المتطرفين تهمة «العنصرية ضد الأجانب»، إذ كانوا يستهدفون حاملي الجنسيتين الأميركية والبريطانية في بداية مشوارهم التخريبي، حين كان أولى ضحاياهم خمسة أميركيين وهنديين. وتعاظمت صدمة المجتمع السعودي بعد التفجير الأول بسبعة أشهر، إثر تفجير في مدينة الخبر قتل فيه 19 أميركياً، بسبب وصول شظايا التفجير ل17 من أبنائهم، إضافة إلى إصابة مئات الجنسيات. وتصاعدت حال الرعب في الشارع السعودي عاماً بعد آخر، ووضعت الحراسات الأمنية على المجمعات السكنية، وتكاثرت نقاط التفتيش في شوارع المدن الرئيسة الخالية، وحتى وقت قريب كان يسمح للعائلات السعودية بالتنزه في حي السفارات وفي أوساط الأجانب. وطفحت على السطح منذ نهاية القرن الماضي قوائم الإرهابيين المعلنة من وزارة الداخلية، وبدأت حوادث مطاردة الجهات الأمنية للمجرمين، والإعلان بين الفينة والأخرى عن هويتهم والمضبوطات من الأسلحة والذخائر. يذكر السعوديون جيداً تاريخ 12 أيار (مايو) 2003، حين قام الإرهابيون بالعملية الأضخم والأكثر تنظيماً عبر عمليات انتحارية في ثلاثة مجمعات سكنية في مدينة الرياض هي الحمراء وأشبيليا وفينيل، والتي أسفرت عن 35 حالة وفاة، منها تسع جثث متفحمة يشتبه بأنها للإرهابيين. وعلى رغم أن مدينة الرياض كانت أكبر الخاسرين من هجمات المتطرفين، إلا أن رقعة الشر اتسعت حتى مكةالمكرمة التي لا يدخلها غير المسلمين، ولم يكن قتلاها سوى رجلي أمن بعد مواجهات دامية أثناء اكتشاف خلية إرهابية في 15 حزيران (يونيو) 2003. وعادت المواجهات في شهر الدم نوفمبر من 2003 إلى الرياض، ليقضي تفجير مجمع المحيا السكني على 12 قتيلاً و122 جريحاً، معظمهم مواطنون وعرب ومسلمون، لم يحسب المفجرون حساباً لحرمة شهر رمضان الموافق لوقت التفجير. وكشّر الإرهاب عن أنيابه في نيسان (أبريل) 2004 في هجوم انتحاري آخر، ضد رجال المرور، فُجر فيه مبنى الإدارة العامة وقتل فيه أربعة من الأفراد ومدني كان بالقرب من المبنى. وبدأت سلسلة القتل والتفجير واختطاف الأجانب تخف تدريجياً بعد 2004 الأشد وطأة على السعوديين، حتى اختفت منذ مايو 2006 قبل أن تعود مجدداً في نوفمبر حين قتل اثنان من أفراد حرس الحدود في كمين نُصب لإحدى الدوريات الأمنية في محافظة شرورةجنوب البلاد على الحدود مع اليمن. وعلى رغم أن الضمير الحي يؤمن بأن الخير يبقى وإن طال الزمان به، إلا أن الواقع يكمل الشطر الثاني من البيت بأن «الشر أخبث ما أوعيت من زاد»، ولم يعد يفرق سكين الإرهاب بين طفل ومحارب، بعد أن قتلت العنصرية مجدداً في نوفمبر سبعة مواطنين ورجلي أمن في أحداث «جريمة الأحساء».